بقلم/ محمود عليوات - الأردن
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين ، وبعد ..
فإنّ أهل الاستقامة الذين بَنو أمرَ دينهم على العقيدة والسلوك الصحيحين الموافقين للكتاب والسنة ، وأخلصوا في سيرهم إلى الله تعالى هم أولياء الله جلّ وعلا ، وهم الذين لهم الفوز في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، قال الله تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) [ يونس 62-64] .
فالعقيدة الصحيحة لها الأثر الكبير في كون العبد ولياً لله جلّ وعلا ، وقد سُئل الإمام عبد القادر الجيلاني (1) : هل كان لله وليٌّ على غير اعتقاد أحمد بن حنبل ؟
فقال : ما كان ولا يكون . (2)
وقد خصّ الله تعالى بعض أوليائه من أصحاب العقيدة الصحيحة بكرامات ظهرت وشاهدها الناس ونقلها العلماء في كتبهم ، وممّن دوّن ذلك وسطّره : الإمام الذهبي ، في كتابه الماتع العجيب : سير أعلام النبلاء ، وها أنا أنقل بعض ذلك :
1. عن ابن المسيب أن رجلا ً كان يقع في علي وطلحة والزبير ، فجعل سعد بن أبي وقاص ينهاه ويقول : لا تقع في إخواني ، فأبي ، فقام سعد، وصلى ركعتين ودعا، فجاء بختي يشق الناس ، فأخذه بالبلاط ، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه ، فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً يقولون : هنيئاً لك يا أبا إسحاق ! استجيبت دعوتك.
قلت : في هذا كرامة مشتركة بين الداعي والذين نيل منهم.
السير 1/116
2. تنبأ الأسود العنسي باليمن ، فبعث إلى أبي مسلم (3) ، فأتاه بنار عظيمة ، ثم إنه ألقى أبا مسلم فيها ، فلم تضره ، فقيل للأسود : إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك.
فأمره بالرحيل ، فقدم المدينة ، فأناخ راحلته ، ودخل المسجد يصلي ، فبصر به عمر رضي الله عنه ، فقام إليه ، فقال : ممن الرجل ؟
قال : من اليمن.
قال : ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار ؟
قال : ذاك عبد الله بن ثوب.
قال : نشدتك بالله ، أنت هو ؟
قال : اللهم نعم.
فاعتنقه عمر وبكى ، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق.
فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل.
السير 4/8
3. عن عطاء الخراساني ، أن امرأة أبي مسلم قالت : ليس لنا دقيق.
فقال : هل عندك شيء ؟
قالت : درهم بعنا به غزلا.
قال : أبغينيه وهاتي الجراب ، فدخل السوق ، فأتاه سائل ، وألحَّ ، فأعطاه الدرهم ، وملأ الجراب نشارة مع تراب ، وأتى وقلبه مرعوب منها ، وذهب ، ففتحته ، فإذا به دقيق حواري.
فعجنت وخبزت ، فلما جاء ليلا ، وضعته ، فقال : من أين هذا ؟
قالت : من الدقيق ، فأكل وبكى.
السير 4/21
4. عن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : شهدتُ مقتل سعيد (4) ، فلما بان رأسه قال : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ولم يتم الثالثة .
السير 4/334
5. أُخذ الإمام أحمد بن نصر الخُزاعي (5) للخليفة الواثق ، فقال له : ما تقول في القرآن ؟ قال : كلام الله.
قال : أفمخلوق هو ؟
قال : كلام الله.
قال : فترى ربك في القيامة ؟
قال : كذا جاءت الرواية.
قال : ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم ، ويحويه مكان ويحصره ناظر ؟ أنا كفرت بمن هذه صفته ، ما تقولون فيه ؟ فقال قاضي الجانب الغربي : هو حلال الدم، ووافقه فقهاء ، فأظهر أحمد بن أبي دؤاد أنه كاره لقتله.
وقال : شيخ مختل ، تغير عقله ، يؤخر.
قال الواثق : ما أراه إلا مؤدياً لكفره قائماً بما يعتقده ، ودعا بالصمصامة ، وقام.
وقال : أحتسب خطاي إلى هذا الكافر.
فضرب عنقه بعد أن مدوا له رأسه بحبل وهو مقيد ، ونُصب رأسه بالجانب الشرقي ، وتتبع أصحابه فسجنوا.
قال الحسن بن محمد الحربي : سمعت جعفر بن محمد الصائغ ، يقول : رأيتُ أحمد بن نصر حين قتل قال رأسه : لا إله إلا الله.
ونُقل عن الموكل بالرأس أنه سمعه في الليل يقرأ : (يس) .
وصح أنهم أقعدوا رجلا بقصبة ، فكانت الريح تدير الرأس إلى القبلة ، فيديره الرجل.
قال السراج : سمعت خلف بن سالم ، يقول بعدما قتل ابن نصر، وقيل له : ألا تسمع ما الناس فيه يقولون : إن رأس أحمد بن نصر يقرأ ؟ ! ! فقال : كان رأس يحيى يقرأ.
السير 11/167
6. سَجن بنو عُبيد الإمام أبو بكر ابن النابلسي (6) .. فأقامه جوهر القائد لأبي تميم صاحب مصر ، فقال له : بلغنا أنك قلت : إذا كان مع الرجل عشرة أسهم ، وجب أن يرمي في الروم سهما ، وفينا تسعة قال : ما قلت هذا ، بل قلت : ذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضا ، فإنكم غيرتم الملة ، وقتلتم الصالحين ، وادعيتم نور الإلهية ، فشهره ثم ضربه ، ثم أمر يهوديا فسلخه.
قال معمر بن أحمد بن زياد الصوفي : أخبرني الثقة ، أن أبا بكر سلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه ، فكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر فرحمه السلاخ ، فوكزه بالسكين موضع قلبه فقضى عليه.
وأخبرني الثقة أنه كان إماماً في الحديث والفقه ، صائم الدهر ، كبير الصولة عند العامة والخاصة ، ولما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن .
السير 16/14
(1) قال عنه الإمام الذهبي : الشيخ ، الإمام ، العالم ، الزاهد ، العارف ، القدوة ، شيخ الإسلام ، علم الأولياء ، محيي الدين ، أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي ، الحنبلي شيخ بغداد .. مولده: بجيلان، في سنة إحدى وسبعين وأربع مائة. ( السير 20/439 )
(2) الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/86)
(3) قال عنه في ترجمته من السير : أبو مسلم الخولاني الداراني ، سيد التابعين وزاهد العصر.. اسمه على الأصح : عبد الله بن ثوب .. أسلم في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل المدينة في خلافة الصّديق.
(4) ابن جبير ، قال عنه في ترجمته من السير : الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، أبو محمد ، ويقال: أبو عبد الله الأسدي الوالبي، مولاهم الكوفي ، أحد الأعلام .. روى عن ابن عباس فأكثر وجود، وعن عبد الله بن مغفل ، وعائشة .. قتله الحجّاج سنة 95.
(5) قال عنه في ترجمته من السير : الإمام الكبير الشهيد ، أبو عبد الله ، أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي ثم البغدادي .. سمع من مالك ، وحماد بن زيد ، وهشيم ، وابن عيينة .. قتله الواثق سنة 231 .
(6) قال عنه في ترجمته من السير : الإمام القدوة الشهيد ، أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل الرملي ، ويعرف بابن النابلسي .. قُتل رحمه الله تعالى سنة 363 .