300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
بـحـــوث ودراســــات  »  كلام الإمام ابن تيمية في نقد القياس المنطقي.

كلام الإمام ابن تيمية
في نقد القياس المنطقي.
من كتاب: الرد على المنطقيين([1].)
 
إعداد: تميم بن عبد العزيز القاضي
 
وقد تم تقسيم كلام الشيخ حسب النقاط التالية:
أولاً: نقد حصرهم اليقين بالقياس المنطقي(قياس الشمول دون قياس التمثيل)
أ-بيان عدم انحصار العلم بالقياس المنطقي، وأن قولهم بذلك الحصر تحكم لا دليل عليه.
    ب-بيان رجوع قياس الشمول إلى قياس التمثيل
ج-بيان بعض الطرق الأخرى التي يمكن بها حصول العلم، ومنها قياس التمثيل، والرد على زعمهم بعدم إفادتها العلم.
 
ثانياً:- نقد دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مركبا من مقدمتين فقط.
أ- نقد الدعوى، وذلك من خلال النقاط التالية:
1-أنها دعوى بلا دليل(تحكُّم)، فهي دعوى باطلة طرداً وعكساً.
2-بيان الشيخ أن في كلامهم ما ينقض هذه الدعوى،وأنهم قد اعترفوا بأن القياس قد يحتاج أكثر من مقدمتين.
3-استدلال الشيخ على أن المقدمة الواحدة قد تكفي في القياس.
ب- بيان القول الحق في مسألة عدد المقدمات اللازمة للقياس، وأن ذلك يختلف بحسب حال المستدل، والمسألة المستدل عليها.
ثالثاً:-بيان عيوب الدليل المنطقي وأوجه القصور فيه.
أ-ما في الدليل المنطقي من التعب والتطويل بلا فائدة، وأن هذا يوصل إلى الزلل في التصور أكثر مما يوصل إلى الصواب فيه، وإمكان الاستغناء عنه، وأن العلم بنتيجته ممكنة بدونه.
ب-عدم إفادة الدليل المنطقي العلم بالموجودات، بل بمقدرات ذهنية، مما يجعله قليل المنفعة جدا، أو عديم المنفعة، وكونه من الكلام بلا علم.
ج-نقده للقضية الكلية المتضمنة في القياس البرهاني:
وذلك من خلال ما يلي:
1-نقد الإفادة من القضية الكلية بنقد طريق العلم بكليتها، وأنها تؤول إلى الدور، أو إلى العلم بالبدهيات التي لا يحتاج معها إلى القياس المنطقي.
2- أن العلم ببعض أفراد القضية الكلية من الممكن أن يقع عند البعض بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها.
3- أن القضايا الكلية لا بد أن تنتهي إلى أن تعلم بغير القياس، فالقضايا الكلية في القياس المنطقي الحسي متفرعة عن القضايا الجزئية، ومحتاجة إليها، لا العكس، فانتفت الفائدة من الكليات في ذلك.
4-بيان أنه ليس في الحسيات المجردة قضية عامة كلية، وأن كل ما ذكروه من أمثله للكليات فإنها قابلة للنقض، مما ينفي كليتها.
5-نقد توهم طائفة منهم أن القضايا الكلية لها تحقق في الخارج.
6-بيان أن أشرف العلوم(العلم الإلهي) لا يستفاد من البرهان المنطقي، وكذلك الجواهر العقلية عندهم والأفلاك، بل لا يستفاد منه العلم بشيء معين أصلاً.
د- أن القياس المنطقي لا يفيد علماً جديدا لما لم يكن يعلم من قبل، ولا يفيد معرفة صحيح الأدلة من فاسدها، ولا يفيد العلم بمعلوم معين.
رابعاً: منزلة الدليل المنطقي، ومدى إفادته لليقين.
أ-بيان الشيخ صدق صورة الدليل المنطقي، وإنما النقد لإفادتها العلم بالموجودات، وما تقدم من المآخذ.
ب- تحقيق القول في إفادة البرهان للقضايا الكلية.
ج- بيان الشيخ أن نقده السابق إنما يتوجه للمواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الأنبياء، وأما نصوص الأنبياء فهي لا تحتاج إلى دليلهم القياسي.
 
أولاً: نقد حصرهم اليقين بالقياس المنطقي(قياس الشمول دون قياس التمثيل).
أ-بيان عدم انحصار العلم بالقياس المنطقي، وأن قولهم بذلك الحصر تحكم لا دليل عليه.
قال الشيخ:((قولهم:(إنه لا يعلم شيء من التصديقات إلا بالقياس الذي ذكروا صورته ومادته) قضيةٌ سلبية نافية، ليست معلومة بالبديهة، ولم يذكروا على هذا السلب دليلاً أصلاً، فصاروا مدعين مالم يبينوه، بل قائلين بغير علم، إذ العلم بهذا السلب متعذر على أصلهم، فمن أين لهم أنه لا يمكن أحداً من بني آدم أن يعلم شيئاً من التصديقات التي ليست عندهم بديهية إلا بواسطة القياس المنطقي الشمولي الذي وصفوا مادته وصورته؟!))([2].)
    ب-بيان رجوع قياس الشمول إلى قياس التمثيل.
قال الشيخ:(( مع أنا قد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام على أن كل قياس شمول فإنه يعود إلى التمثيل ،كما أن كل قياس تمثيل فإنه يعود إلى شمول، وأن جعلهم قياس الشمول يفيد اليقين دون قياس التمثيل خطأ))([3].)
ج-بيان بعض الطرق الأخرى التي يمكن بها حصول العلم، ومنها قياس التمثيل، والرد على زعمهم بعدم إفادتها العلم.
قال الشيخ:(( والمقصود أن الذي يدعونه من الكليات هو إذا كان علماً فهو مما يعرف بقياس التمثيل لا يقف على القياس المنطقى الشمولي أصلا))([4].)
وقال:((فلا يمكن قط ان يحصل بالقياس الشمولى المنطقي الذي يسمونه البرهاني علم إلا وذلك يحصل بقياس التمثيل الذي يستضعفونه فان ذلك القياس لا بد فيه من قضية كلية والعلم بكون الكلية كلية لا يمكن الجزم به إلا مع الجزم بتماثل أفراده في القدر المشترك وهذا يحصل بقياس التمثيل))([5].)
كما رد الشيخ على زعم المنطقيين ((ان القضايا المعلومة بالتواتر والتجربة والحدس يختص بها من علمها بهذه الطريق فلا تكون حجة على غيره بخلاف غيرها فانها مشتركة يحتج بها على المنازع)) وبين الشيخ فساد هذا التفريق، وأن ما علم بالحس والتواتر والتجارب منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص بمن تحصل له، وفصل القول في إفادة التجربة والاستقراء للعلم([6])
ثانياً:- نقد دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مركبا من مقدمتين فقط.
أ- نقد الدعوى، وذلك من خلال النقاط التالية:
1-أنها دعوى بلا دليل(تحكُّم)، فهي دعوى باطلة طرداً وعكساً.
قال الشيخ:((دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مؤلفاً من مقدمتين لا أقل ولا أكثر فإن اكتفي فيه بمقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة، وسموه قياس الضمير، وإن احتج فيه إلى مقدمات قالوا هذه قياسات متداخلة،فاصطلحوا على انه لابد في الحد من لفظين، جنس وفصل، ولابد في القياس من مقدمتين، وكل هذا تحكم،فإن البرهان قد يكتفى فيه بمقدمة، وقد لا يتم إلا بمقدمتين، وقد لايتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل، وما يعلم مما لا يعلم من المقدمات))([7].)
وقال:((وأما قولهم:(إن الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان، فان كان الدليل مقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة، وسموه هو قياس الضمير، وإن كان مقدمات قالوا: هي أقيسة مركبة، ليس هو قياساً واحداً) فهذا قول باطل طرداً وعكساً))([8].)
وقال:((قولهم: (إن شيئاً من التصديقات المطلوبة لا ينال إلا بما ذكروه من القياس)، فإن هذا النفي العام أمر لا سبيل إلى العلم به، ولا يقوم عليه دليل أصلاً، وقد أشرنا إلى فساد ما ذكروه، مع أنه معلوم البطلان بما يحصل من التصديقات المطلوبة بدون ما ذكروه من القياس..))([9])
وقد بين الشيخ أن غاية ما يمكن أن يقال في هذه الدعوى إنها اصطلاح مجرد مختص بهم، وليست حقيقة موجودة ثابتة في نفسها لأمور معقولة تتفق فيها الأمم كما يدَّعيه هؤلاء في منطقهم([10].)
2-بيان الشيخ أن في كلامهم ما ينقض هذه الدعوى،وأنهم قد اعترفوا بأن القياس قد يحتاج أكثر من مقدمتين.
قال الشيخ:((ومما يبين أن تخصيص الاستدلال بمقدمتين باطل أنهم قالوا في حد القياس الذي يشمل البرهانى والخطابي والجدلى والشعري والسوفسطائي: (إنه قول مؤلف من أقوال،أو عبارة عما ألف من أقوال إذا سُلِّمت لزم عنها لذاتها قول آخر) قالوا:(واحترزنا بقولنا: من أقوال، عن القضية الواحدة التي تستلزم لذاتها صدق عكسها وعكس نقيضها وكذب نقيضها، وليست قياساً، قالوا: ولم نقل مؤلف من مقدمات؛ لأنا لا يمكننا تعريف المقدمة من حيث هي مقدمة إلا بكونها جزء القياس، فلو أخذناها في حد القياس كان دورا....
وإذا كانوا قد جعلوا القياس مؤلفا من أقوال، وهي القضايا لم يجب أن يراد بذلك قولان فقط، لأن لفظ الجمع إما أن يكون متناولاً لاثنين فصاعداً، كقوله {فإن كان له إخوة فلامه السدس} النساء، وإما أن يراد به الثلاثة فصاعداً، وهو الأصل عند الجمهور.
ولكن قد يراد به جنس العدد، فيتناول الاثنين فصاعداً، ولا يكون الجمع مختصاً باثنين، فإذا قالوا: هو مؤلف من أقوال، إن أرادوا جنس العدد، كان المعنى من اثنين فصاعداً، فيجوز أن يكون مؤلفا من ثلاث مقدمات واربع مقدمات، فلا يختص بالاثنين، وإن أرادوا الجمع الحقيقي لم يكن مؤلفاً إلا من ثلاثةفصاعداً، وهم قطعاً ما أرادوا هذا، لم يبق إلا الأول..............))([11])
ثم استطرد الشيخ في ذكر أجوبتهم على هذا الاعتراض، وأفاض في الرد عليها، وخلص بعدها إلى تخصيصهم الدليل بمقدمتين فحسب تحكُّم لا دليل عليه، وغاية ما يمكن أن يقال فيه إنه اصطلاح مجرد مختص بهم، وليس حقيقة موجودة ثابتة في نفسها لأمور معقولة تتفق فيها الأمم كما يدَّعيه هؤلاء في منطقهم([12].)
وقال رحمه الله:((ثم إنهم لما علموا أن الدليل قد يحتاج إلى مقدمات، وقد يكفى فيه مقدمة واحدة، قالوا: إنه ربما أُدرج في القياس قول زائد، أي مقدمة ثالثة زائدة على مقدمتين لغرض فاسد،أو صحيح، كبيان المقدمتين، ويسمونه: المركب، قالوا: ومضمونه أقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد، إلا أن المطلوب منها بالذات ليس إلا واحدا، قالوا: وربما حذفت إحدى القدمات، إما للعلم بها،أو لغرض فاسد،وقسموا المركب إلى مفصول وموصول كما تقدم.
 فيقال: هذا اعتراف منكم بأن من المطالب ما يحتاج إلى مقدمات، ومنها ما يكفى فيه مقدمة واحدة، ثم قلتم إن ذلك الذي يحتاج إلى مقدمات هو في معنى أقيسة متعددة، فيقال لكم:إذا ادعيتم أن الذي لا بد منه إنما هو قياس واحد يشتمل على مقدمتين، وأن ما زاد على ذلك هو في معنى أقيسة، كل قياس لبيان مقدمة من المقدمات، فقولوا:إن الذي لا بد منه هو مقدمة واحدة، وأن ما زاد على تلك المقدمة من المقدمات فإنما هو لبيان تلك المقدمة.
 وهذا أقرب إلى المعقول، فانه إذا لم يعلم ثبوت الصفة للموصوف وهو ثبوت الحكم للمحكوم عليه وهو ثبوت الخبر للمبتدأأو المحمول للموضوع إلا بوسط بينهما هو الدليل، فالذي لا بد منه هو مقدمة واحدة، وما زاد على ذلك فقد يحتاج إليه وقد لا يحتاج إليه.
 وأما دعوى الحاجة إلى القياس الذي هو المقدمتان للاحتياج إلى ذلك في بعض المطالب فهو كدعوى الاحتياج في بعضها إلى ثلاث مقدمات وأربع وخمس للاحتياج إلى ذلك في بعض المطالب وليس تقدير عدد باولى من عدد وما يذكرونه من حذف احدى المقدمتين لوضوحها أو للتغليط يوجد مثله في حذف الثالثة والرابعة
 ومن احتج على مسألة بمقدمة لا تكفي وحدها في بيان المطلوب أو مقدمتين أو ثلاثة لا تكفي طولب بالتمام الذي يحصل به الكفاية...الخ))([13].)
 
3-استدلال الشيخ على أن المقدمة الواحدة قد تكفي في القياس.
قال رحمه الله:((ومما يبين لك ان المقدمة الواحدة قد تكفي في حصول المطلوب ان الدليل هو ما يستلزم الحكم المدلول عليه كما تقدم بيانه ولما كان الحد الاول مستلزما للاوسطو الاوسط للثالث ثبت ان الاول مستلزم للثالث فان ملزوم الملزوم ملزوم ولازم اللازم لازم فالحكم لازم من لوازم الدليل لكن لم يعرف لزومه اياه الا بوسط بينهما والوسط ما يقرن بقولك لانه
 وهذا مما ذكره المنطقيون ابن سينا وغيره ذكروا الصفات اللازمة للموصوف وان منها ما يكون بين اللزوم وردوا بذلك على من فرق من اصحابهم بين الذاتي واللازم للماهية بأن اللازم ما افتقر إلى وسط بخلاف الذاتي فقالوا له كثير من الصفات اللازمة لا يفتقر إلى وسط وهي البينة اللزوم والوسط عند هؤلاء هو الدليل
 واما ما ظنه بعض الناس ان الوسط هو ما يكون متوسطا في نفس الامر بين اللازم القريب واللازم البعيد فهذا خطا ومع هذا يتبين حصول المراد على التقديرين فنقول :
 اذا كانت اللوازم منها ما لزومه للملزوم بين بنفسه لا يحتاج إلى دليل يتوسط بينهما فهذا نفس تصوره وتصور الملزوم يكفي في العلم بثبوته له واذا كان بينهما وسط فذاك الوسط اذا كان لزومه للملزوم الاول ولزوم الثاني له بينا لم يفتقر إلى وسط ثان
 وان كان احد الملزومين غير بين بنفسه احتاج إلى وسط وان لم يكن واحد منهما بينا احتاج إلى وسطين وهذا الوسط هو حد تكفي فيه مقدمة واحدة
والمقصود هنا ان وجه الدليل العلم بلزوم المدلول له سواء سمي استحضارا أو تفطنا أو غير ذلك فمتى استحضر في ذهنه لزوم المدلول له علم انه دال عليه وهذا اللزوم ان كان بينا له والا فقد يحتاج في بيانه إلى مقدمة أو ثنتين أو ثلاثة أو اكثر
 والاوساط تتنوع بتنوع الناس فليس ما كان وسطا مستلزما للحكم في حق هذا هو الذي يجب ان يكون وسطا في حق الاخر بل قد يحصل له وسط اخر
 فالاوساط هو الدليل وهو الواسطة في العلم بين اللازم والملزوم وهما المحكوم والمحكوم عليه فان الحكم لازم للمحكوم عليه ما دام حكما له والاواسط التي هي الادلة مما يتنوع ويتعدد بحسب ما يفتحه الله للناس من الهداية كما اذا كان الوسط خبر صادق فقد يكون الخبر لهذا غير الخبر لهذا...
فتبين انه على كل تقدير يمكن الاستدلال على المطلوب بمقدمة واحدة اذا لم يحتج إلى غيرها وقد لا يمكن الا بمقدمات فيحتاج إلى معرفتهن وان تخصيص الحاجة بمقدمتين دون ما زاد وما نقص تحكم محض، ولهذا لا تجد في سائر طوائف العقلاء ومصنفي العلوم من يلتزم في استدلاله البيان بمقدمتين لا اكثر ولا اقل ويجتهد في رد الزيادة إلى ثنتين وفي تكميل النقص بجعله مقدمتين الا اهل منطق اليونان ومن سلك سبيلهم دون من كان باقيا على فطرته السليمة أو سلك مسلك غيرهم كالمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسانوسائر ائمة المسلمين وعلمائهم ونظارهم وسائر طوائف الملل
ولهذا لما كان الاستدلال تارة يقف على مقدمة وتارة على مقدمتين وتارة على مقدمات كانت طريقة نظار المسلمين ان يذكروا من الادلة على المقدمات ما يحتاجون اليه ولا يلتزمون في كل استدلال ان يذكروا مقدمتين كما يفعله من يسلك سبيل المنطقيين بل كتب نظار المسلمين وخطبائهم وسلوكهم في نظرهم لانفسهم ومناظرتهم لغيرهم تعليما وارشادا ومجادلة على ما ذكرت وكذلك سائر اصناف العقلاء من اهل الملل وغيرهم الا من سلك طريق هؤلاء
وما زال نظار المسلمين يعيبون طريق اهل المنطق ويبينون ما فيها من العي واللكنة وقصور العقل وعجز النطق ويبينون انها إلى افساد المنطق العقلي واللساني اقرب منها إلى تقويم ذلك ولا يرضون ان يسلكوها في نظرهم ومناظرتهم لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه))([14].)
 
ب- بيان القول الحق في مسألة عدد المقدمات اللازمة للقياس، وأن ذلك يختلف بحسب حال المستدل، والمسألة المستدل عليها.
قال الشيخ:((البرهان قد يكتفى فيه بمقدمة وقد لا يتم إلا بمقدمتين وقد لايتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل وما يعلم مما لا يعلم من المقدمات))([15].)
وقال:((ثم الدليل قد يكون مقدمة واحدة وقد يكون مقدمتين وقد يكون مقدمات بحسب حاجة الناظر المستدل، إذ حاجة الناس تختلف، وقد بسطنا ذلك في الكلام على المحصل وبينا تخطئة جمهور العقلاء لمن قال إنه لا بد في كل علم نظري من مقدمتين لا يستغنى عنهما ولا يحتاج إلى أكثر منهما كما يقوله من يقوله من المنطقيين))([16].)
وقال:((وفصل الخطاب ان المطلوب قد يحتاج إلى مقدمة وإلى اثنتين وإلى ثلاث وإلى اربع فأصل الاضطراب دعواهم ان النتائج النظرية تحتاج إلى مقدمتين وتكفى فيها مقدمتان فجعلوا لا بد في كل مطلوب نظري من مقدمتين وادعوا انه يكفى في كل مطلوب نظري مقدمتان وكلا الامرين باطل))([17].)
ثم ذكر بعض الأمثلة، ثم قال:((واعتبر هذا بنظائره يتبين لك انه يمكن الاستغناء عن القياس المنطقي، بل يكون استعماله تطويلا وتكثيرا للفكر والنظر والكلام بلا فائدة وان الحاجة إلى المقدمات بحسب حال المستدل فقد يحتاج تارة إلى مقدمة وتارة إلى ثنتين وتارة إلى ثلاث وتارة إلى اكثر من ذلك))([18].)
وقال:((ثم قد يكون الدليل مقدمة واحدة متى علمت علم المطلوب وقد يحتاج المستدل إلى مقدمتين وقد يحتاج إلى ثلاث مقدمات وأربع وخمس وأكثر ليس لذلك حد مقدر يتساوى فيه جميع الناس في جميع المطالب بل ذلك بحسب علم المستدل الطالب بأحوال المطلوب والدليل ولوازم ذلك وملزوماته، فاذا قدر أنه قد عرف ما به يعلم المطلوب إلا مقدمة واحدة كان دليله الذي يحتاج إلى بيانه له تلك المقدمة))([19].)
وقال:((وذلكأن احتياج المستدل إلى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة لعلمه مما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمه بالضرورة ومنهم من يحتاج إلى مقدمتين ومنهم من يحتاج إلى ثلاث ومنهم من يحتاج إلى اربع واكثر))([20].)
ثم ضرب الشيخ أمثلة لاستدلالات اكتفي فيها بمقدمة واحدة، وأخرى احتيج فيها إلى مقدمتين، أو أكثر.

 
ثالثاً-بيان عيوب الدليل المنطقي وأوجه القصور فيه.
أ-ما في الدليل المنطقي من التعب والتطويل بلا فائدة، وأن هذا يوصل إلى الزلل في التصور أكثر مما يوصل إلى الصواب فيه،  وإمكان الاستغناء عنه، وأن العلم بنتيجته ممكنة بدونه.
قال رحمه الله بعد أن ذكر بعض أمثلة القياس المنطقي:(( واعتبر هذا بنظائره يتبين لك انه يمكن الاستغناء عن القياس المنطقي بل يكون استعماله تطويلا وتكثيرا للفكر والنظر والكلام بلا فائدة وان الحاجة إلى المقدمات بحسب حال المستدل فقد يحتاج تارة إلى مقدمة وتارة إلى ثنتين وتارة إلى ثلاث وتارة إلى اكثر من ذلك))([21].)
وقال:((الذي بينه نظار المسلمين في كلامهم على هذا المنطق اليوناني المنسوب إلى أرسطو صاحب التعاليم أن ما ذكروه من صور القياس ومواده مع كثرة التعب العظيم ليس فيه فائدة علمية بل كل ما يمكن علمه بقياسهم المنطقي يمكن علمه بدون قياسهم المنطقي وما لا يمكن علمه بدون قياسهم لا يمكن علمه بقياسهم فلم يكن في قياسهم لا تحصيل العلم بالمجهول الذي لا يعلم بدونه ولا حاجة به إلى ما يمكن العلم به بدونه فصار عديم التأثير في العلم وجودا وعدما ولكن فيه تطويل كثير متعب فهو مع انه لا ينفع في العلم فيه إتعاب الاذهان وتصنييع الزمان وكثرة الهذيان
والمطلوب من الادلة والبراهين بيان العلم وبيان الطرق المؤدية إلى العلم وقالوا يعنى نظار المسلمين هذا لا يفيد هذا المطلوب بل قد يكون من الاسباب المعوقة له لما فيه من كثرة تعب الذهن))([22])
وقد بين الشيخ أن الوسط(الحد الأوسط) في القياس المنطقي –والذي قد يكون علة لثبوت الحكم، وقد لا يكون- قد يفتقر إلى معرفته بعض الناس، وقد يستغني عنه الكثيرون، فقد تكون القضية عند بعض الناس معلومة بغير طريق القياس المنطقي، كالحس، والتجربة، والبرهان، والتواتر([23]).
ب-عدم إفادة الدليل المنطقي العلم بالموجودات، بل بمقدرات ذهنية، مما يجعله قليل المنفعة جداً، أو عديم المنفعة، وكونه من الكلام بلا علم.
قال الشيخ:((لكن نحن نبين... ان المواد اليقينية التي ذكروها لا يحصل بها علم بالامور الموجودة فلا يحصل بها مقصود تزكو به النفوس بل ولا علم بالحقائق الموجودة في الخارج على ما هي عليه إلا من جنس ما يحصل بقياس التمثيل))([24].)
وقال:((إذا كان البرهان لا يفيد إلا العلم بالكليات والكليات إنما تتحقق في الاذهان لا في الاعيان وليس في الخارج إلا موجود معين لم يعلمبالبرهان شئ من المعينات فلا يعلم به موجود اصلا بل إنما يعلم به أمور مقدرة في الاذهان
 ومعلوم ان النفس لو قدر ان كمالها في العلم فقط وإن كانت هذه قضية كاذبة كما بسط في موضعه فليس هذا علما تكمل به النفس إذ لم تعلم شيئا من الموجودات ولا صارت عالما معقولا موازيا للعالم الموجود بل صارت عالما لامور كلية مقدرة لا يعلم بها شئ من العالم الموجود وأي خير في هذا فضلا عن ان يكون كمالا))([25].)
وقال:((والمقصود هنا أنهم كثيرا ما يدعون في المطالب البرهانية من الامور العقلية ما يكونوا قد قدروه في أذهانهم ويقولن نحن نتكم في الامور الكلية والعقليات المحضة وإذا ذكر لهم شئ قالوا نتكلم فيما هو أعم من ذلك وفي الحقيقة من حيث هى هى ونحو هذه العبارات فيطالبون بتحقيق ما ذكروه في الخارج ويقال يبنوا هذا أي شئ هو فهنالك يظهر بجهلهم وأن ما يقولونه هو امر مقدر في الاذهان لا حقيقة له في الاعيان وهذا مثل ان يقال لهم اذكروا مثال ذلك والمثال امر جزئي فاذا عجزوا عن التمثيل وقالوا نحن نتكم في الامور الكلية فاعلم انهم يتكلمون بلا علم وفيما لا يعلمون ان له معلوما في الخارج بل فيما ليس له معلوم في الخارج وفيما قد يمتنع ان يكون له معلوم في الخارج وإلا فالعلم بالامور الموجودة إذا كان كليا كان له معلومات ثابتة في الخارج))([26].)
وقال:((وأيضا فما يذكرونه من القياس لا يفيد إلا العلم بأمور كلية لا يفيد العلم بشئ معين من الموجودات ثم تلك الامور الكلية يمكن العلم بكل واحد منها بما هو أيسر من قياسهم فلا تعلم كلية بقياسهم إلا والعلم بجزئياتها ممكن بدونقياسهم الشمولى وربما كان أيسر فان العلم بالمعينات قد يكون أبين من العلم بالكلياتوالمقصود هنا أن المطلوب هو العلم والطريق اليه هو الدليل فمن عرف دليل مطلوبه عرف مطلوبه سواء نظمه بقياسهم ام لا ومن لم يعرف دليله لم ينفعه قياسهم))([27].)
وقال:((هذا القياس هو قياس الشمول وهو العلم بثبوت الحكم لكل فرد من الافراد، فنقول قد علم وسلموا انه لا بد ان يكون العلم بثبوت بعض الاحكام لبعض
أفرادها بديهيا فان النتيجة إذا افتقرت إلى مقدمتين فلا بد ان ينتهي الامر إلى مقدمتين تعلم بدون مقدمتين وإلا لزم الدور أو التسلسل الباطلان ولهذا كان من المقرر عند أهل النظر انه لا بد في التصورات والتصديقات من تصورات بديهية وتصديقات بديهية))([28])
[ثم ضرب بعض الأمثلة على ذلك، ثم قال:]
((فتبين أن منطقهم يعطي تضييع الزمان وكثرة الهذيان وإتعاب الاذهان وكذلك إذا علمنا أن كل رسول نبي وكل نبي فهو في الجنة فعلمنا ان كلرسول فهو في الجنة أبين من هذا وهذ كثير جدا))([29].)
وقدقرر الشيخ أن من أراد التوصل بالقياس السابق إلى قضايا كلية ذهنية لا عينية، فإن البرهان حينئذٍ لن يفيد علماً بشيءٍ موجود، بل بأمور مقدرة في الاذهان لا يعلم تحققها في الاعيان وإذا لم يكن في هذا علم بشئ موجود لم يكن في البرهان علم بموجود فيكون قليل المنفعة جدا بل عديم المنفعة
وقد بين الشيخ أنهم لا يقولون بذلك، بل يستعملون مثل هذه البراهين والأقيسة في الموجودات الخارجية العينية، لا الذهنية فحسب، وذلك كاستعمالهم له في الطبيعيات والإلهيات([30]).

 
ج-نقده للقضية الكلية المتضمنة في القياس البرهاني:
وذلك من خلال ما يلي:
1-نقد الإفادة من القضية الكلية بنقد طريق العلم بكليتها، وأنها تؤول إلى الدور، أو إلى العلم بالبدهيات التي لا يحتاج معها إلى القياس المنطقي.
فقد بين الشيخ أن العلم بعموم القضية الكلية لا يخلو من أحد طريقين:
1- قياس الغائب على الشاهد، أي الحكم بأن حكم الشيء نفس حكم مثيله.
فيقال لهم: إن هذا القياس من قياس التمثيل، وأنتم تزعمون أن هذا القياس لا يفيد العلم اليقيني، بل الظن، فلزم أن قياسهم لا يفيد اليقين.
2-أن يزعموا أن العلم بعموم القضية الكلية يحصل في النفس عند الإحساس بالجزئيات عن طريق الفيض من العقل الكلي ونحوه.
فيقال: كيف نعرف أن هذا الحاصل في النفس علماً؟ وليس ظنا أو جهلاً؟!
أ-إن قالوا: علم بالضرورة والبديهة.
قيل:يلزم على ذلك أن العلم بالأنواع المعينة وأنواع الكليات معلوم بالضرورة؛ لأن جزم العقلاء بالشخصيات من الحسيات أعظم من جزمهم بالكليات([31].)
وعندها فلا يتوقف العلم بالجزئيات على العلم بالكليات، فلا تكون القضية الكلية محتاجاً إليها في معرفة الجزئيات، بل العكس، فإنه((قد يعلم الانسان انه حساس متحرك بالارادة قبل ان يعلم ان كل إنسان كذلك ويعلم ان الانسان كذلك قبل ان يعلم ان كل حيوان كذلك فلم يبق علمه بأنه أو بأن غيره من الحيوان حساس متحرك بالارادة موقوفا على البرهان))([32]. )
قال الشيخ:((إذا كان لا بد في كل ما يسمونه برهانا من قضية كلية فلا بد من العلم بتلك القضية الكلية أي من العلم بكونها كلية وإلا فمتى جوز عليها أن لا تكون كلية بل جزئية لم يحصل العلم بموجبها والمهملة وهي المطلقة التي يحتمل لفظها أن يكون كلية وجزئية في قوة الجزئية
 وإذا كان لا بد في العلم الحاصل بالقياس الذي يخصونه باسم البرهان من العلم بقضية كلية موجبة فيقال :
 العلم بتلك القضية إن كان بديهيا أمكن أن يكون كل واحد من أفرادها بديهيا بطريق الاولى
 وإن كان نظريا احتاج إلى علم بديهي فيفضى إلى الدور المعى أو التسلسل في أمور لها مبدأ محدود فان علم ابن آدم إذا توقف على علم منه وعلمه على علم منه فعلمه له مبدأ لانه نفسه مبدأ ليس هذا كتسلسل الحوادث الماضية وأيضا فانه تسلسل في المؤثرات وكلاهما باطل))([33].)
وببطلان الاحتمالين ينتهي الشيخ إلى إبطال الإفادة من القياس المنطقي، أو إلى تقليل تلك الإفادة جداً.
 
2- أن العلم ببعض أفراد القضية الكلية من الممكن أن يقع عند البعض بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها.
قال الشيخ –بعد كلامه المتقدم قريباً-:((وهكذا يقال في سائر القضايا الكلية التي يجعلونها مبادئ البرهان ويسمونها الواجب قبولها سواء كانت حسية ظاهرة أو باطنة وهي التي يحسها بنفسهأو كانت من المجربات أو المتواترات أو الحدسيات عند من يجعل منها ما هو من اليقينيات الواجب قبولها....
فما من قضية من هذه القضايا الكلية التي تجعل مقدمة في البرهان إلا والعلم بالنتيجة ممكن بدون توسط ذلك البرهان بل هو الواقع كثيرا))([34].)
وبين رحمه الله أن نتيجة مثل تلك الأقيسة المنطقية تكون معلومة عند عامة الناس بدون النظم المنطقي لها((فكل أحد يعلم أن هذا المعين لا يكون موجودا معدوما ولا يخلو من الوجود والعدم كما يعلم المعين الآخر ولا يحتاج ذلك إلى ان يستدل عليه بأن كل شئ لا يكون موجودا معدوما معا
 وكذلك الضدان فان الانسان يعلم ان هذا الشئ لا يكون اسود ابيض ولا يكون متحركا ساكنا كما يعلم أن الاخر كذلك ولا يحتاج في العلم بذلكإلى قضية كلية بان كل شئ لا يكون اسود ابيض ولا يكون متحركا ساكنا وكذلك في سائر ما يعلم تضادهما...فلم يفتقر العلم بذلك إلى القياس الذي خصوه باسم البرهان))([35])
كما بين أن العلم ببعض أفراد القضية الكلية من الممكن أن يقع عند البعض بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها، فلا يحتاج إلى القياس البرهاني، وذلك كعلم عامة العقلاء بأن المُحدَث المعين لا بد له من مُحْدِث([36]).
((ومما يوضح هذا أنك لا تجد أحدا من بني آدم يريد ان يعلم مطلوبا بالنظر ويستدل عليه بقياس برهاني يعلم صحته إلا ويمكنه العلم به بدون ذلك القياس البرهاني المنطقي))([37])
3- أن القضايا الكلية لا بد أن تنتهي إلى أن تعلم بغير القياس، فالقضايا الكلية في القياس المنطقي الحسي متفرعة عن القضايا الجزئية، ومحتاجة إليها، لا العكس، فانتفت الفائدة من الكليات في ذلك.
قال الشيخ:((ومما يوضح ذلك ان القضايا الحسية لا تكون إلا جزئية فنحن لم ندرك بالحس إلا إحراق هذه النار وهذه النار لم ندرك ان كل نار محرقة فاذا جعلنا هذه قضية كلية وقلنا كل نار محرقة لم يكن لنا طريق يعلم به صدق هذه القضية الكلية علما يقينيا إلا والعلم بذلك ممكن في الاعيان المعينة بطريق الاولى))([38].)
وبين الشيخ أنه ((اذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية فتلك القضيةالكلية لا بد ان تنتهي إلى ان تعلم بغير قياس والا لزم الدور والتسلسل فاذا كان لا بد ان تكون لهم قضايا كلية معلومة بغير قياس فنقول : ليس في الموجودات ما تعلم الفطرة له قضية كلية بغير قياس الا وعلمها بالمفردات المعينة من تلك القضية الكلية اقوى من علمها بتلك القضية الكلية مثل قولنا الواحد نصف الاثنين والجسم لا يكون في مكانين والضدان لا يجتمعان فان العلم بأن هذا الواحد نصف هذين الاثنين اقدم في الفطرة من العلم بأن كل واحد نصف كل اثنين وهكذا كل ما يفرض من الاحاد .
 فيقال المقصود بهذه القضايا الكلية اما ان يكون العلم بالموجود الخارجي أو العلم بالمقدرات الذهنية اما الثاني ففائدته قليلة واما الاول فما من موجود معين الا وحكمه بعلم تعينه اظهر واقوى من العلم به عن قياس كلى يتناوله فلا يحصل بالقياس كثير فائدة بل يكون ذلك تطويلا وانما يستعمل القياس في مثل ذلك لاجل الغالط والمعاند فيضرب له المثل وتذكر الكلية ردا لغلطه وعناده بخلاف من كان سليم الفطرة
 وكذلك قولهم الضدان لا يجتمعان فأي شيئين علم تضادهما فانه يعلم انها لا يجتمعان قبل استحضار قضية كلية بأن كل ضدين لا يجتمعان وما من جسم معين الا يعلم انه لا يكون في مكانين قبل العلم بأن كل جسم لا يكون في مكانين وكذلك قولهم النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فان مرادهم بذلك ان وجود الشيء وعدمه لا يجتمعان ولا يرتفعان فما من شيء معين الا ويعلم انه لا يكون موجودا معدوما وانه لا يخلو عن الوجود والعدم قبل العلم بهذه القضية العامة وامثال ذلك كثير لمن تدبره
 ويعلم ان المعين المطلوب علمه بهذه القضايا الكلية الاولية يعلم قبل ان تعلم هذه القضية الكلية ويعلم بدونها ولا يحتاج العلم به إلى القضية الكلية وانما يعلم بالقضية الكلية ما يقدر في الذهن من امثال ذلك مما لم يوجد في الخارج واما الموجوداتالخارجية فتعلم بدون هذا القياس....))([39].)
4-بيان أنه ليس في الحسيات المجردة قضية عامة كلية، وأن كل ما ذكروه من أمثله للكليات فإنها قابلة للنقض، مما ينفي كليتها(نقد التعميم في القضية الكلية).
قال الشيخ:((فاذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية فنقول المواد اليقينيات قد حصروها في الاصناف المعروفة عندهم
 أحدها الحسيات ومعلوم ان الحس لا يدرك امرا كليا عاما أصلا فليس في الحسيات المجردة قضية كلية عامة تصلح ان تكون مقدمة في البرهان اليقيني وإذا مثلوا ذلك بأن النار تحرق ونحو ذلك لم يكن لهم علم بعموم هذه القضية وإنما معهم التجربة والعادة التي هي من جنس قياس التمثيل لما يعلمونه من الحكم الكلى لا فرق بينه وبين قياس الشمول وقياس التمثيل وإن علم ذلك بواسطة اشتمال النار على قوة محرقة فالعلم بأن كل نار لا بد فيها من هذه القوة هو ايضا حكم كلى
 وإن قيل إن الصورة النارية لا بد ان تشتمل على هذه القوة وأن ما لا قوة فيه ليس بنار فهذا الكلام إذا قيل إنه صحيح قيل إنه لا يفيد الجزم بأن كل ما فيه هذه القوة تحرق كل ما لاقاه وإن كان هو الغالب فهذا يشترك فيه قياس والتمثيل والشمول والعادة والاستقراء الناقص ومعلوم ان كل من قال إن كل نار تحرق كل ما لاقته فقد أخطأ فانه لا بد من كون المحل قابلا للاحراق إذ قد علم انها لا تحرق كل شئ كما لا تحرق السمندل والياقوت وكما لا تحرق الاجسام المطلية بأمور مصبوغة وأما خرق العادة فمقام آخر
 ولا أعلم في القضايا الحسية كلية لا يمكن نقضها مع ان القضية الكلية ليست حسية وإنما القضية الحسية ان هذه النار تحرق فان الحس لا يدرك إلا شيئا خاصا وأما الحكم العقلي فيقولون إن النفس عند رؤيتها هذه المعينات تستعد لانتفيض عليها قضية كلي بالعموم ومعلوم ان هذا من جنس قياس التمثيل ولا يوثق بعمومه إن لم يعلم أن الحكم العام لازم للقدر للمشترك وهذا إذا علم علم في جميع المعينات فلم يكن العلم بالمعينات موقوفا على هذا، مع انه ليس من القضايا العاديات قضية كلية لا يمكن نقضها باتفاق العقلاء بل والفلاسفة يجوزون خرق العادات لكن يذكرون أن لها أسبابا فلكية أو قوى نفسانية أو أسبابا طبيعية فهذه الثلاثة هي أسباب خرق العادات عندهم
والثاني الوجديات الباطنة كادراك كل احد جوعه وعطشه وحبه وبغضه وألمه ولذته وهذه كلها جزئيات وإنما يعلم الانسان حال غيره والقضية الكلية بقياس التمثيل بل هذه لا يشترك الناس في إدراك كل جزئي منها كما قد يشتركون في إدراك بعض الحسيات المنفصلة كالشمس والقمر ففيها من الخصوص في المدرك والمدرك ما ليس في الحسيات المنفصلة وإن اشتركوا في نوعها فهى تشبه العاديات...
والثالث المجربات وهي كلها جزئية فان التجربة انما تقع على امور معينة وكذلك المتواترات فان المتواترات انما هو ما علم بالحس من مسموع أو مرئي فالمسموع قول معين والمرئي جسم معين أو لون معين أو عمل معين أو امر ما معين
 واما الحدسيات ان جعلت يقينية فهي نظير المجريات اذا الفرق بينهما لا يعود إلى العموم والخصوص وانما يعود إلى ان المجريات تتعلق بما هو من افعال المجربين والحدسيات تكون عن افعالهم وبعض الناس يسمى الكل تجربيات
فلم يبق معهم الا الاوليات التي هي البديهيات العقلية والاوليات الكلية انما هي قضايا مطلقة في الاعداد والمقادير ونحوها مثل قولهم الواحد نصف الاثنين
والاشياء المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك وهذه مقدرات في الذهن ليست في الخارج كلية
فقد تبين ان القضايا الكلية البرهانية التي يجب القطع بكليتها التي يستعملونها في قياسهم لا تستعمل في شيء من الامور الموجودة المعينة وانما تستعمل في مقدرات ذهنية فاذا لا يمكنهم معرفة الامور الموجودة المعينة بالقياس البرهاني وهذا هو المطلوب))([40].)
كما بين الشيخ أن ما يذكرونه من ((القضايا التجريبة العادية كالقضايا الطبيعية والطبية والنحوية ونحو ذلك فهذه كثيرا ما تكون منتقضة ولا يجزم العقل بامتناع انتقاضها إلا بشروط فان العاديات يجوز انتقاضها والقضية الكلية إذا جاز انتقاضها لم يكن عندهم مادة للبرهان بل للجدل والخطابة))([41].)
 
5-نقد توهم طائفة منهم أن القضايا الكلية لها تحقق في الخارج.
قال رحمه الله((ومن هنا يغلط كثيرا ممن يسلك سبيلهم حيث يظن ان ما عنده من القضايا الكلية صحيح ويكون عند التحقيق ليس كذلك وهم يتصورون الشيء بعقولهم ويكون ما تصوروه معقولا بالعقل فيتكلمون عليه ويظنون انهم تكلموا في ماهية مجردة بنفسها من حيث هي هي من غير ان تكون ثابتة في الخارج ولا في الذهن فيقولون الانسان من حيث هو هو والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك ويظنون ان هذه الماهية التي جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة في الخارج على هذا التجريد وذلك غلط كغلط اوليهم فيما جردوهمن العدد والمثل الافلاطونية وغيرها بل هذه المجردات المسلوب عنها كل قيد ثبوتي وسلبي لا تكون الا مقدرة في الذهن... وليس كل ما فرضه الذهن امكن وجوده في الخارج وليس كل ما حكم به الانسان على ما يقدره ويفرضه في ذهنه يكون حكما صحيحا على ما يوجد في الخارج ولا كل ما امكن تصور الذهن له يكون وجوده في الخارج ، بل الذهن يتصور اشياء ويقدرها مع علمه بامتناعها ومع علمه بامكانها في الخارج ومع عدم علمه بالامتناع الخارجي والامكان الخارجي))([42].)
6-بيان أن أشرف العلوم(العلم الإلهي) لا يستفاد من البرهان المنطقي، وكذلك العلم الجواهر العقلية عندهم والأفلاك، بل لا يستفاد منه العلم بشيء معين أصلاً.
قال رحمه الله:((اشرف الموجودات هو واجب الوجود ووجوده معين لا كلى فان الكلى لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وواجب الوجود يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وإن لم يعلم منه ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه بل إنما علم امر كلى مشترك بينه وبين غيره لم يكن قد علم واجب الوجود
 وكذلك الجواهر العقلية عندهم وهي العقول العشرة أو اكثر من ذلك عند من يجعلها اكثر من ذلك عندهم كالسهروردى المقتول وأبى البركات وغيرهما كلها جواهر معينة لا امور كلية فاذا لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شئ منهاوكذلك الافلاك التي يقولون إنها ازلية ابدية وهي معينة فاذا لم يعلم إلا الكليات لم تكن معلومة
 فلا يعلم لا واجب الوجود ولا العقول ولا شئ من النفوس ولا الافلاك بل ولا العناصر ولا المولدات وهذه جملة الموجودات عندهم فأي علم هنا تكمل به النفس))([43].)
وقال:((والمقصود ان ما يذكرونه من الألهية في العلوم الاهية والطبيعية ومايتعلق بها فلا يفيد يقينا إلا كما يفيد قياس التمثيل إذ هي مبنية على قضية كلية لا يقين عندهم بأنها كلية إلا كاليقين الذي عندهم بقياس التمثيل ولا سبيل لهم إلى ذلك مثل قولهم في العلم الالهي الواحد لايصدر عنه إلا واحد والشيء الواحد لايكون فاعلا وقابلا وامثال هذه القضايا الكلية التي لاعلم لهم بها ولا يستدلون على ذلك إلا بقياس فيه قضية كلية لاعلم لهم بها وإن كان يمكن إبطالها
 لكن المقصود هنا بيان انه لاعلم بالموجود يحصل عن قياسهم وهذا باب واسع يظهر بالتدبر))([44].)
وقال:(( ان القضايا الكلية العامة لا توجد في الخارج كلية عامة وانما تكون كلية في الاذهان لا في الاعيان واما الموجودات في الخارج فهي امور معينة كل موجود له حقيقة تخصه يتميز بها عما سواه لا يشاركه فيها غيره فحينئذ لا يمكن الاستدلال بالقياس على خصوص وجود معين وهم معترفون بذلك وقائلون ان القياس لا يدل على امر معين وقد يعبرون عن ذلك بأنه لا يدل على جزئي وانما يدل على كلي والمراد بالجزئي ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وكل موجود له حقيقة تخصه يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها فاذن القياس لا يفيد معرفة امر موجود بعينه وكل موجود فانما هو موجود بعينه فلا يفيد معرفة شيء من حقائق الموجودات وانما يفيد امورا كلية مطلقة مقدرة في الاذهان لا محققة في الاعيان
 وقد بسطنا الكلام على هذا وغيره في غير هذا الموضع وبين ان ما يذكره النظار من الادلة القياسية التي يسمونها براهين على اثبات الصانع سبحانه وتعإلى لا يدل شيء منها على عينه وانما يدل على امر مطلق كلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه
 فانا اذا قلنا هذا محدث وكل محدث فلا بد له من محدث أو ممكن والممكن لا بد له من واجب انما يدل هذا على محدث مطلق أو واجب مطلق ولو عين بأنه قديم ازلي عالم بكل شيء وغير ذلك فكل هذا انما يدل فيه القياس على امر مطلق كلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وانما يعلم عينه بعلم اخر يجعله الله في القلوب وهم معترفون بهذا لان النتيجة لا تكون ابلغ من المقدمات والمقدمات فيها قضية كلية لا بد من ذلك والكلي لا يدل على معين))([45].)
وقد بين الشيخأن العلم الاعلى عندهم(=الفلسفة الاولى=الحكمة العليا =العلم الالهي) موضوعه هو الوجود المطلق الكلي، فهو علم بأمور عامة كلية ذهنية لا خارج، و((الذي تبين به خساسة ما عند القوم ونقص قدره ان هذا الوجود الكليانما يكون كليا في الذهن لا في الخارج فاذا كان هذا هو العلم الاعلى عندهم لم يكن الاعلى عندهم علما بشيء موجود في الخارج بل علما بأمر مشترك بين جميع الموجودات وهو مسمى الوجود وذلك كمسمى الشيء والذات والحقيقة والنفس والعين والماهية ونحو ذلك من المعاني العامة ومعلوم ان العلم بهذا ليس هو علما بموجود في الخارج لا بالخالق ولا بالمخلوق وانما هو علم بأمر مشترك كلي يشترك فيه الموجودات لا يوجد الا في الذهن ومن المتصورات ما يشترك فيه الموجود والمعدوم كقولنا مذكور ومعلوم ومخبر عنه فهذا اعم من ذاك
 وهذا بخلاف العلم الاعلى عند المسلمين فانه العلم بالله الذي هو في نفسه اعلى من غيره من كل وجه والعلم به اعلى العلوم من كل وجه والعلم به اصل لكل علم وهم يسلمون ان العلم به اذا حصل على الوجه التام يستلزم العلم بكل موجود))([46])
((وأي كمال للنفس في مجرد تصور هذه الامور العامة الكلية إذا لم تتصور أعيان الموجودات المعينة الجزئية وأي علم في هذا برب العالمين الذي لا تكمل النفوس إلابمعرفته وعبادته محبة وذلا))([47].)
وقد بين الشيخ متى يفيد القياس علماً بالمطالب الإلهية، وذلك إذا كان من باب قياس الأولى، وكان من خبر المعصوم، قال رحمه الله:((وكلا القياسين[يعني قياس الشمول والتمثيل] ينتفع به إذا تلقت بعض مقدماته الكلية عن خبر المعصوم إذا استعملت في الالهيات بطريق الاولى كما جاء به القران واما بدون هذين فلا ينفع في الالهيات ولا ينفع ايضا في الطبيعيات منفعة علمية برهانية وإنما يفيد قضايا عادية قد تنحرف فتكون من باب الاغلب))([48].)
د- أن القياس المنطقي لا يفيد علماً جديدا لما لم يكن يعلم من قبل، ولا يفيد معرفة صحيح الأدلة من فاسدها، ولا يفيد العلم بمعلوم معين.
قال الشيخ:((ولا يقال إن قياسهم يعرف صحيح الادلة من فاسدها فان هذا إنما يقوله جاهل لا يعرف حقيقة قياسهم فان قياسهم ليس فيه إلا شكل الدليل وصورته وأما كون الدليل المعين مستلزما لمدلوله فهذا ليس في قياسهم ما يتعرض له بنفي ولا إثبات وإنما هذا بحسب علمه بالمقدمات التي اشتمل عليها الدليل وليس في قياسهم بيان صحة شئ من المقدمات ولا فسادها وإنما يتكلمون في هذا إذا تكلموا في مواد القياس وهو الكلام في المقدمات من جهة ما يصدق بها وكلامهم في هذا فيه خطأ كثير))([49].)
وقال الشيخ:((القياس مشتمل على مقدمتين صغرى وكبرى فالكبرى هي العامة والصغرى اخص منها كما إذا قلت كل نبيذ خمر وكل خمر حرام فان النبيذ المتنازع فيه اخص من الخمر والخمر اخص من الحرام فالاول هو الحد الاصغر والاخر هو الحد الاكبر والاوسط المتكرر فيهها هو الحد الاوسط وحاصل القياس إدراج خاص تحت عام
 ومعلوم ان من علم العام فقد علم شموله لافراده ولكن قد يعزب عنه دخولبعض الافراد فيه إما لعزوب علمه بالعام أو لعزوب علمه بالخاص كما مثله المنطقيون ابن سينا وغيره فيمن ظن ان هذه الدابة تحمل فيقال له اما تعلم ان هذه بغلة فيقول نعم ويقال له اما تعلم ان البغلة لا تحمل فحينئذ يتفطن لانها لم تحمل فهذا وان ذكر بشيء كان غافلا عنه لم يستفد بذلك علم ما لم يكن يعلمه فان لم يخطر بقلبه هذا لم يلزم من علمه بأنها بغلة انها لا تحمل
 لكن هذا قد لا يحتاج الا إلى مقدمة واحدة وهي التي يذكرها فانه ان كان يعلم ان هذه الدابة بغلة ونسى ان البغلة لا تحمل بحمل وهو قد جهل أو نسى ان هذه بغلة عرف بهذه وحدها))([50].)
 

 
رابعاً: منزلة الدليل المنطقي، ومدى إفادته لليقين.
أ-بيان الشيخ صدق صورة الدليل المنطقي، وإنما النقد لإفادتها العلم بالموجودات، وما تقدم من المآخذ.
قال الشيخ:(( فصورة القياس لا يدفع صحتها لكن يبين أنه لا يستفاد به علم بالموجودات كما أن اشتراطهم للمقدمتين دون الزيادة والنقص شرط باطل فهو وإن حصل به يقين فلا يستفاد بخصوصه نفس مطلوب شئ من الموجودات بل ما يحصل به قد يحصل بدونه وقد يحصل بدونه ما لا يحصل به
 فنقول إن صورة القياس إذا كانت مواده معلومة فلا ريب أنه يفيد اليقين وإذا قيل كل أ ب وكل ب ج وكانت المقدمتان معلومتين فلا ريب ان هذا التأليف يفيد العلم بأن كل أ ج وهذا لا نزاع فيه))([51])
ثم استطرد الشيخ في بيان ما في بعض صور القياس من الإفادة للمطلوب، وذكر ما يغني عنها مما اعتمده أئمة الإسلام في أدلتهم، إلى أن قال:(( والصواب في هذا الباب ان يقال ما ذكروه إذا كان صوابا فانه تطويل للطريق وتبعيد للمطلوب وعكس للمقصود فانهم زعموا انهم جعلوه آلة قانونية تمنع الذهن أن يزل في فكره وما ذكروه إذا كلفوا الناظر المستدل ان يلزمه في تصوراته وتصديقاته كان اقرب إلى زلَلِه في فكره وضلاله عن مطلوبه كما هو الواقع فلا تجد أحدا التزم وضع هؤلاء واصطلاحهم إلا كان أكثر خطأ واقل صوابا ممن لم يلتزم وضعهم وسلك إلى المطلوب بفطرة الله التي فطر عباده عليها ولهذا لا يوجد أحد ممن حقق علما من العلوم كان ملتزما لوضعه
 ولهذا يقال كثرة هذه الأشكال وشروط نتاجها تطويل قليل الفائدة كثير التعب فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل))([52])
ويقول مقرراً نفس المعنى:((نقول لا ننكر أن القياس يحصل به علم إذا كانت مواده يقينية لكن نحن نبين ان العلم الحاصل به لا يحتاج فيه إلى القياس المنطقي بل يحصل بدون ذلك فلا يكون شئ من العلم متوقفا على هذا القياس))([53].)

 
ب- تحقيق القول في إفادة البرهان للقضايا الكلية.
قال رحمه الله:((وإذا قيل فالبرهان يفيد قضية كلية قيل اما البرهان الذي يستحق اسم البرهان عندهم وهو ما كان مؤلفا من المقدمات اليقينية المحضة الواجب قبولها التي يمتنعنقيضها فانها بهذه المنزلة واما ما لا يكون كذلك بل يكون مؤلفا من القضايا التجريبة العادية كالقضايا الطبيعية والطبية والنحوية ونحو ذلك فهذه كثيرا ما تكون منتقضة ولا يجزم العقل بامتناع انتقاضها إلا بشروط فان العاديات يجوز انتقاضها والقضية الكلية إذا جاز انتقاضها لم يكن عندهم مادة للبرهان بل للجدل والخطابة))([54].)
 
ج- بيان الشيخ أن نقده السابق إنما يتوجه للمواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الأنبياء، وأما نصوص الأنبياء فهي لا تحتاج إلى دليلهم القياسي.
فقد بين الشيخ أن ردَّه هذا إنما يتوجه للمواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الأنبياء، فهي التي يظهر بها فساد منطقهم، وأما القضايا الكلية المعلومة بأقوال الأنبياء، فإن الحاجة قائمة لمعرفة القضايا الكلية المستفادة من أقوالهم، كقوله e : كل مسكر حرام)، مع بيانه وتاكيده على أن الطريق النبوية في حديث ((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)) ليست هي من القياس المنطقي في شيء، بل دعوى ذلك جهل عظيم، وقد فصل الشيخ في رد هذه الدعوى التي ادعاها من ادعاها من أنصار المنطق([55].)
وخلص في ذلك إلى أن ((القضايا النبوية لا تحتاج إلى القياس العقلى الذي سموه برهانا وما يستفاد بالعقل من العلوم ايضا لا يحتاج إلى قياسهم البرهاني فلا يحتاج اليه لا في العقليات ولا في السمعيات
 فامتنع أن يقال لا يحصل علم إلا بالقياس البرهاني الذي ذكروه))([56].)
ويلخص الشيخ نقده للقياس المنطقي الشمولي بقوله:((فتبين أن قولهم إن المطلوب لا بد فيه من القياس وذلك القياس يجب أن يكون القياس المنطقى الشمولي ولا بد فيه من مقدمتين ليس بصواب وهذا يبطل قولهم لا علم تصديقى إلا بالقياس المنطقي كما تقدم وأما هنا فالمقصود بيان قلة منفعته أو عدمها وذلك أن هذا المطلوب إن كان معه قضية علمت من جهة الرسول تفيده العموم وهو أن كل مسكر حرام حصل مدعاه فالقضايا الكلية المتلقاه عن الرسل تفيد العلم في المطالب الالهية
 وأما ما يستفاد من علومهم فالقضايا الكلية فيه إما منتقضة وإما أنها بمنزلة قياس التمثيل وإما انها لا تفيد العلم بالموجودات المعينة بل بالمقدرات الذهنية كالحساب والهندسة فانه وإن كان ذلك يتناول ما وجد على ذلك المقدار فدخول المعين فيه لا يعلم بالقياس بل بالحس فلم يكن القياس محصلا للمقصود أو تكون مما لا اختصاص لهم بها بل يشترك فيها سائر الامم بدون خطور منطقهم بالبال مع استواء قياس التمثيل وقياس الشمول
وإثبات العلم بالصانع والنبوات ليس موقوفا على شئ من الاقيسة بل يعلم بالايات الدالة على شئ معين لا شركة فيه ويحصل بالعلم الضروري الذي لا يفتقر إلى نظر وما يحصل منها بالقياس الشمولي فهو بمنزلة ما يحصل بقياس التمثيل فهو أمر كلى لا يحصل به العلم بما يختص به الرب وما يختص به الرسول إلا بانضمام علم آخر اليه
 والعلم بصدق المخبر المعين وإن لم يكن نبيا يعلم بأسباب متعددة غير القياس ويعلم ايضا بقياس التمثيل كما يعلم بقياس الشمول فكيف العلم بصدق النبي الصادق عليه الصلاة والسلام - وقد ذكرنا طرقا من الطرق التي يعلم بها صدق الانبياء في غير هذا الموضع
 والناس يعلمون الامور الموجودة وصفاتها وأحوالها من غير قياس شمولي فضلا عن أن يقال لا بد هنا من مقدمتين....فقد تبين أن القياس المفيد للتصديق يغنى عنه التصور التام للحد الاوسط))([57])
انتهى بحمد الله.
pdf :/userfiles/File/6om13

([1]) تم اعتماد طبعة ترجمان السنة – لاهور – باكستان، بتحقيق الشيخ: عبد الصمد الكتبي، واكتفي بذكر الصفحة في الحواشي اختصاراً
([2])الرد على المنطقيين  (88)
([3]) (6)، ولقد قرر الشيخ ذلك في مواضع عديدة من كتابه، ولم أستطرد في نقل نصوصه في ذلك تجنباً للإطالة، ولكونها في غير صلب النقد للقياس، وينظر في ذلك الصفحات التالية:(353-354، 364-365، 420).
([4])    (327)
([5])(299)
([6])(91-96)
([7])(74)
([8]) 167-168
([9])247
([10])175-177
([11]) 169-171
([12]) 175-177
([13]) 178-188
([14]) 189-194
([15]) 74
([16]) 110
([17]) 340
([18]) 343
([19]) 250
([20]) 168
([21]) 343
([22]) 248
([23])91بتصرف، وانظر ص 107-108، 298، 248
([24]) 299
([25]) 124-125
([26]) 326
([27]) 251-252
([28]) 361-362
([29]) 362-363
([30])113-114 بتصرف يسير
([31])115-116 بتصرف
([32])116
([33]) 107
([34]) 107-108
([35])108-109
([36]) انظر: 109-110
([37])110، وانظر: 298
([38]) 113
([39]) 316-317وانظر: 367-368
([40]) 300-303
([41])328
([42]) 317-318
([43]) 126
([44]) 312
([45]) 344
([46])130-131
([47])132-133
([48]) 299
([49]) 252
([50]) 339-340
([51]) 293
([52]) 297
([53]) 298
([54]) 328
([55])110-113 باختصار.
([56])113
([57]) 355-356

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com