كرامات الأولياء
|
|
قال البيهقي - رحمه الله تعالى – في كتابه [الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للحافظ البيهقي (1/420)] :
|
باب القول في كرامات الأولياء
|
قال الله - عز وجل - في قصة مريم عليها السلام (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
|
وقال في قصة سليمان - عليه السلام - (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وآصف لم يكن نبيا وإنما لا يجوز ظهور الكرامات على الكاذبين ، فأما على الصادقين فإنه يجوز ويكون ذلك دليلا على صدق من صدقه من أنبياء الله - عز وجل - ، وقد حكى نبينا - صلى الله عليه وسلم - من الكرامات التي ظهرت على جريج الراهب والصبي الذي ترك السحر وتبع الراهب والنفر الذين آووا على غار من بني إسرائيل ، فانحطت عليهم الصخرة ، وغيرهم ما يدل على جواز ذلك ، وقد ظهر على أصحابه في زمانه وبعد وفاته ، ثم على الصالحين من أمته ما يوجب اعتقاد جوازه وبالله التوفيق.
|
285 - وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ، ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عمرو بن أسيد بن حارثة ، حليف بني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
|
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط عينا ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ، وهو جد عاصم بن عمر ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنفروا لهم بمائة رجل رام فاتبعوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر ، فقالوا : هذا تمر يثرب ، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد ،
|
فقالوا : انزلوا ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحدا ،
|
فقال عاصم : أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر اليوم اللهم بلغ عنا نبيك السلام ،
|
فقاتلوهم ، فقتل منهم سبعة ، ونزل ثلاثة على العهد والميثاق ،
|
فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم وكتفوهم ، فلما رأى ذلك منهم أحد الثلاثة قال : هذا والله أول الغدر ، فعالجوه فقتلوه
|
وانطلقوا بخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة إلى مكة ، فباعوهما ، وذلك بعد وقعة بدر فاشترى بنو الحارث خبيبا - وقد كان قتل الحارث يوم بدر –
|
قالت ابنة الحارث : فكان خبيب أسيرا عندنا ، فوالله إن رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، والله لقد رأيته يأكل قطفا من عنب وما بمكة يومئذ من ثمره ، وإن هو إلا رزق رزقه الله خبيبا
|
قالت : واستعار مني موسى يستحد به للقتل
|
قالت : فأعرته إياه ، ودرج ابن لي وأنا غافلة ، فرأيته يجلسه على صدره
|
قالت : ففزعت فزعة عرفها خبيب
|
قالت : ففطن لي
|
فقال : أتحسبين أني قاتله ما كنت لأفعله ،
|
قالت : فلما أجمعوا على قتله
|
قال لهم : دعوني أصلي ركعتين ، فصلى ركعتين
|
وقال : لولا أن تحسبوا أن بي جزعا لزدت ،
|
قالت : وكان خبيب أول من سن الصلاة لمن قتل صبرا ،
|
ثم قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا :
|
فلست أبالي حين أقتل مسـلما على أي حال كان في الله مصرعي
|
وذلك في جنب الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
|
قال : وبعث المشركون إلى عاصم بن ثابت ليؤتوا من لحمه بشيء ، وكان قتل رجلا من عظمائهم ، فبعث الله مثل الظلة من الدَّبْر، فحمته من رسلهم، فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئا
|
|
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا إسماعيل بن محمد بن الفضل البيهقي ، ثنا جدي ثنا أبو ثابت ، حدثني إبراهيم بن سعد ، فذكره بإسناده ومعناه ، وذكر قول المرأة : والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، والله لقد وجدته يأكل قطفا من عنب ، وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة ، وقال في الشعر : وذلك في ذات الإله ، وزاد:
|
واستجاب الله لعاصم يوم أصيب فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم . وذكر في عاصم ما بعث الله عليه من الدبر حتى حمته.
|
|
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وزاد :
|
فلما حالت بينهم وبينه قالوا : دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه ، فبعث الله الوادي ، فاحتمل عاصما ، فذهب به .
|
قال : وقد كان عاصم أعطى الله عهدا لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك أبدا في حياته ، قال ابن إسحاق : فكان عمر بن الخطاب يقول : يحفظ الله المؤمن ، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منهم في حياته .
|
|
وروينا عن بريدة بن سفيان:
|
استجابة الله دعاء خبيب على الذين قتلوه ، فلم يحل الحول ومنهم أحد غير رجل لبد بالأرض حين رآه يدعو ،
|
وفي هذا الحديث الصحيح كرامات ظهرت على من سمي فيه
|
|
286 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك:
|
أن أسيد بن حضير الأنصاري ، ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ،
|
ثم خرجا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقلبان وبيد كل واحد منهما عصية ، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه ، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله .
|
|
ورواه حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال :
|
كان عباد بن بشر ، وأسيد بن حضير ورواه قتادة ، عن أنس ، فلم يسم الرجلين قال : ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما .
|
|
وقد روينا عن حمزة بن عمرو الأسلمي وأبي عبس بن جبر:
|
أنهما أكرما بقريب من ذلك فأضاءت أصابع حمزة ، ونور في عصا أبي عيسى
|
|
287 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن قتادة ، قال :
|
كان مطرف بن عبد الله بن الشخير وصاحب له سريا في ليلة مظلمة ، فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء ،
|
فقال لصاحبه : أما إنا لو حدثنا الناس بهذا كذبونا ،
|
قال مطرف : المكذب أكذب . يقول : المكذب بنعمة الله أكذب ،
|
ومطرف بن عبد الله كان من كبار التابعين ، وإنما أوردته عقيب حديث الصحابة لكونه شبيها بما أكرموا به .
|
|
وقد روينا نزول الملائكة للقرآن عند قراءة أسيد بن حضير ؛ وذلك:
|
أنه رأى مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ،
|
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « تلك الملائكة أتت لصوتك » .
|
|
وروينا تسليم الملائكة على عمران بن حصين ،
|
|
وروينا عن جماعة من الصحابة أن كل واحد رأى جبريل - عليه السلام - في صورة دحية الكلبي
|
|
288 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق بن أيوب الفقيه ، أنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ، ثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عثمان ، أنه حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر:
|
أن أصحاب الصفة ، كانوا ناسا فقراء وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مرة: « من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس » أو كما قال ،
|
|
وأن أبا بكر جاء بثلاثة فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشرة ، وأبو بكر بثلاثة وهو أنا وأبو بكر وأمي ولا أدري
|
قال : وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي ، وأن أبا بكر تعشى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم لبث حتى صليت العشاء ، ثم رجع ، فلبث حتى تعشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله ،
|
فقالت له امرأته : ما حبسك عن أضيافك ، أو قالت : عن ضيفك ؟
|
قال: أوما عشيتهم ؟
|
قالت : أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم ، فغلبوهم ،
|
قال : فذهبت أنا واختبأت ،
|
وقال : يا غنثر ، وسب ،
|
وقال : كلوا ، وذكر كلمة ،
|
وقال : والله لا طعمته أبدا
|
قال : وايم الله ما كنا نأخذ لقمة إلا وربا من أسفلها أكثر منها ،
|
قال : وشبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك ،
|
قال : فنظر إليها أبو بكر ، فإذا هي كما هي أو أكثر ،
|
قال لامرأته : يا أخت بني فراس ما هذا ؟
|
قالت : لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات ، فأكل منها أبو بكر ،
|
وقال أبو بكر : إنما كان ذلك من الشيطان - يعني يمينه - ثم حملها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
|
قال : وكان بيننا وبين قوم عهد ، فمضى الأجل ، فعرفنا اثني عشر رجلا مع كل رجل أناس ، الله أعلم كم مع كل رجل
|
قال : فأكلوا منها أجمعون .
|
|
قال الشيخ - رضي الله عنه - : وقد روينا كرامات ظهرت على عدة من الأولياء في حياة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وله شواهد كثيرة ذكرناها في كتاب دلائل النبوة وغيره ،
|
|
وقد روينا في فضائل الصحابة كرامات ظهرت على بعضهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعادتها في هذا الكتاب مما يطول شرحه ؛ فاقتصرنا منها على بعضها وفيه كفاية.
|
|
289 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا حمزة بن العباس العقبي ، ثنا عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي ، حدثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر:
|
أن عمر بن الخطاب ، بعث جيشا ، وأمر عليهم رجلا يدعى سارية
|
قال : فبينا عمر يخطب قال : فجعل يصيح وهو على المنبر يا سارية : الجبل ، يا سارية الجبل ،
|
قال : فقدم رسول الجيش ، فسأله ،
|
فقال : يا أمير المؤمنين ، لقينا عدونا فهزمونا وإن الصائح ليصيح ، يا سارية : الجبل ، يا سارية : الجبل ، فشددنا ظهورنا بالجبل ، فهزمهم الله ،
|
فقيل لعمر : إنك كنت تصيح بذلك .
|
|
قال ابن عجلان : وحدثني إياس بن معاوية بن قرة بذلك .
|
|
وقد روينا من أوجه ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال :
|
ما كنا ننكر ونحن متوافرون أن السكينة تنطق على لسان عمر ،
|
|
وعن عبد الله بن مسعود : ما رأيت عمر قط إلا وكأن بين عينيه ملكا يسدده ،
|
|
وعن عبد الله بن عمر قال : كان عمر يقول القول فننتظر متى يقع.
|
|
قال الشيخ : وكيف لا يكون ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه كان في الأمم محدثون ، فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب ،
|
وهذا الحديث أصل في جواز كرامات الأولياء ،
|
|
وفي قراءة أبي بن كعب ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) ،
|
وقرأها ابن عباس كذلك في بعض الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل : كيف يحدث ؟ قال : تتكلم الملائكة على لسانه ،
|
وذلك يوافق ما روينا عن علي وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -
|
|
290 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر ، قال : ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا محمد بن عزيز الأيلي ، عن سلامة بن روح ، عن عقيل ، حدثني ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، قال :
|
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك »
|
وإن البراء لقي زحفا من المشركين ،
|
فقالوا له : يا براء ، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لو أقسمت على الله لأبرك » ، ، فأقسم على ربك ،
|
قال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، فمنحوا أكتافهم ، ثم التقوا على قنطرة السوس ، فأوجعوا في المسلمين ،
|
فقالوا : أقسم يا براء على ربك .
|
قال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ورزقتني الشهادة فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا
|
|
291 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو عبد الله بن يعقوب ، ثنا محمد بن عبد الوهاب ، أنا جعفر بن عون ، أنا أسامة بن زيد ، عن محمد بن عمرو ، عن محمد بن المنكدر ، عن سفينة ، مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
|
ركبت سفينة في البحر فانكسرت بي ، فركبت لوحا منها فأخرجني إلى أجمة فيها أسد إذ أقبل الأسد ، فلما رأيته
|
قلت : يا أبا الحارث ، أنا سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
|
فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه ، ثم مشى معي حتى أقامني على الطريق ،
|
قال : ثم همهم وضربني بذنبه ، فرأيت أنه يودعني .
|
قال الشيخ : محمد بن عمرو هذا هو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان
|
ورواه أيضا سعيد بن عبد الرحمن الجحشي ، عن ابن المنكدر
|
انتهى
|
|
--------------------------------------- |
()سورة : آل عمران آية رقم : 37
|
|
|
|
|
|
|
|
|