300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
أسمـاء الله الحسنى  »  ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله

ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله

من [أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين]

لـ د. سليمان بن محمد الدبيخي

 

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم)([1]).

 

قال ابن القيم: (أشكل هذا الاسم على كثير من العلماء، وقالوا: لم يأت في القرآن، فأعرضوا عن الاشتغال به صفحا، ثم اشتغلوا بالكلام في صبر العبد وأقسامه، ولو أنهم أعطوا هذا الاسم حقه لعلموا أن الرب أحق به من جميع الخلق، كما هو أحق باسم العليم والرحيم والقدير والسميع والبصير والحي وسائر أسمائه الحسنى، من المخلوقين، وأن التفاوت الذي بين صبره سبحانه وصبرهم كالتفاوت الذي بين حياته وحياتهم، وعلمه وعلمهم، وسمعه وأسماعهم، وكذا سائر صفاته.([2]))

 

ولعل سبب استشكال إضافة الصبر إلى الله تعالى ما يصاحب الصبر من الألم والحزن والمشقة، إضافة إلى أنه قد يكون ناتجا عن ضعف وعجز وعدم قدرة، ومعلوم أن الله تعالى منزه عن ذلك كله، فلا يلحقه نقص بوجه من الوجوه،وعلى هذا فما معنى هذه الصفة –الصبر- بالنسبة لله تعالى؟ ..

 

أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

 

لم يختلف أهل السنة والجماعة في إثبات هذه الصفة لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.

قال ابن القيم: (أما الصبر فقد أطلقه عليه أعرف الخلق به، وأعظمهم تنزيها له بصيغة المبالغة) ، ثم ذكر حديث أبي موسى المتقدم.

كما لم يختلفوا في معنى هذه الصفة المضافة إلى الله تعالى، على ما هو معلوم من معنى الصبر في اللغة والشرع، بعيدا عن تأويلات المتكلمين، التي تخرج الكلام عن ظاهره، وتبعده عن مراد المتكلم به. ([3]).

فمعنى صبر الله تعالى كما يدل عليه آخر الحديث: الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة([4])، بل يزيد على ذلك أن يحسن إليهم، فيعافيَهم ويرزقَهم.

قال ابن القيم في نونيته (الكافية الشافية)([5]):

وهو الصبور على أذى أعدائه
قالوا   له  ولد  وليس  يعيدنا
هذا   وذاك   بسمعه  وبعلمه
لكن  يعافيهم  ويرزقهم  وهم



شتموه   بل   نسبوه  للبهتان
شتما   وتكذيبا  من  الإنسان
لو  شاء  عاجلهم  بكل هوان
يؤذونه    بالشرك   والكفران

وصبر الله تعالى لا يماثله شيء من الصبر, لأنه صبر كامل القوة , عظيم القدر والبطش , في مقابلة غاية الإساءة والأذية من الخلق, فهو يفارق صبر المخلوق من عدة وجوه .منها:-

1- أنه عن قوة وكاملة, وقدرة تامة ,بخلاف صبر المخلوق فإنه قد يكون عن ضعف وعجز.

2- أن الله تعالى لا يخاف بصبره فوات العقوبة .بينما العبد يخاف ذلك ,ولهذا  فإنه يستعجل العقوبة –أحياناً- لخوف الفوت.

3- أن الله تعالى لا يلحقه بصبره ألم ولا حزن ولا نقص بوجه من الوجوه , بخلاف صبر المخلوق.([6])

قال ابن القيم رحمه الله تعالى متحدثاً عن صبر الله جل وعلا :(( مع أنه صبرٌ مع كمال علم وقدرة وعظمة وعزة , وهو صبر على أعظم مصبور عليه, فإنه مقابلة أعظم العظماء وملك الملوك وأكرم الأكرمين , ومن إحسانه فوق كل إحسان , بغاية القبح, وأعظم الفجور , وأفحش الفواحش, ونسبته إلى كل ما لا يليق به, والقدح في كماله وأسمائه وصفاته , والإلحاد في آياته, وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ومقابلته بالسب والشتم والأذى , وتحريق أولياءه وقتلهم وإهانتهم , أمر لا يصبر عليه إلا الصبور الذي لا أحد أصبر منه , ولا نسبة لصبر جميع الخلق من أولهم إلى آخرهم إلى صبره سبحانه))([7])

 

قال السعدي رحمه الله تعالى (( هذا الصبر الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله , لا مثيل له من الصبر , فهو صبر في كمال قوة , عظيم القدرة والبطش , في مقابلة غاية الإساءة والأذية من الخلق, الذين نواصيهم بيد الله ,وليس لهم خروج عن قدرته , وأقواتهم وأرزاقهم وجميع ضروراتهم وحاجاتهم متعلقة بالله ,ليس لشيء منها حصول إلا من جوده وخزائنه,ومع ذلك فهو يعافيهم ويرزقهم , ولا يقطع عنهم برَّ في جميع اللحظات , ومع ذلك يفتح لهم أبواب التوبة , ويسهل لهم طريقها , ويدعوهم إلها , ويخبرهم أنهم إن تابوا محا عنهم الخطايا العظيمة , وأدرَّ عليهم النعم الجسيمة , فسبحان الحليم الصبور ))([8])

 

وصبر الله تعالى قريب من معنى حلمه ,بل ذهب بعضهم إلى أنهما بمعنى واحد.([9])

 

قال الزجاج :(( أصل الصبر في  الكلام الحبس , يقال :صبرته على كذا صبراً , إذا حبسته, ومعنى الصبر والصبور في اسم الله تعالى , قريب من معنى الحليم ))([10])

 

وقال ابن القيم :(( لما كان اسم الحليم ادخل في الأوصاف , واسم الصبور في الأفعال , كان الحلم أصل الصبر , فوقع الاستغناء بذكره في القرآن عن اسم الصبور , والله أعلم ))([11])

 

والفرق بين الصبر والحلم :

1- أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه , فعلى قدر حلم العبد يكون صبره , فالحلم في صفات الرب تعالى أوسع من صبره.

2- أن احلم صفة ذاتية لله تعالى لا تزول , وأما صبره تعالى فمتعلق بكفر العباد وشركهم وأنواع معاصيهم , فإن زال متعلقة كان كسائر الأفعال التي توجد لحكمة وتزول بزوالها.([12])

قال ابن القيم رحمه الله تعالى (( وإذا أردت معرفة صبر الرب تعالى وحلمه , والفرق بينهما , فتأمل قوله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)) ]فاطر :41[ ففي الآية إشعار بأن السموات والأرض تهم وتستأذن بالزوال , لعظم ما يأتي به العباد , فيمسكهما بحلمه ومغفرته , وذلك حبس عقوبته عنهم , وهو حقيقة صبره تعالى .

فالذي صدر عنه الإمساك هو صفة الحلم , والإمساك هو الصبر , وهو حبس العقوبة , ففرق بين حبس العقوبة , وبين ما صدر عنه حبسها , فتأمله ))([13])

وأما أذية الله تعالى الواردة في الحديث , فقد جاء تفسيرها في آخره, وذلك بنسبة الولد له سبحانه , مع أنه الأحد الفرد الصمد , الذي لم يلد ولم يولد , وقد بين الله تعالى في كتابه عظم هذا القول وشناعته فقال : ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) ]سورة مريم [

ومثل هذا الحديث ما جاء  في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم , يسب الدهر , وأنا الدهر , بيدي الأمر أقلب الليل والنهار )([14])

وجاء في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما , أن النبي صلى الله عليه قال : ( قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك , وشتمني ولم يكن له ذلك , فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان , وأما شتمه إياي فقوله : لي ولد , فسبحاني أن اتخذ صاحبة أو ولدا )([15]).

و  لا يلزم من وقوع الأذية حصول الضرر ,فالله تعالى يؤذيه ما يقال فيه من قبيح الكلام , وما يقابل به من سيء الأفعال , لكنه لا يتضرر بذلك , ولذا أثبت الله تعالى الأذى في كتابه , ونفى الضرر فقال:(( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)) ]سورة الأحزاب:57  [وقال:(( وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا )) ]آل عمران:176[

 

وفي صحيح مسلم , عن أبي ذر رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم , فيما روي عن الله تبارك وتعالى , أنه قال : ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني , ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني , يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم , كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم , ما زاد ذلك من ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم , كانوا على أفجر قلب رجل واحد , ما نقص ذلك من ملكي شيئاً))([16])

قال ابن تيمية تعليقاً على هذا الآية السابقة :( فبين سبحانه أن الخلق لا يضرونه , لكن يؤذونه إذا سبوا مقلب الأمور )([17])

ومما يحن التنبيه إليه أن حصول الأذية له سبحانه , إنما يقع بمشيئته وإرادته , حسب ما تقتضيه حكمته , فلا يقع في ملكه إلا ما يشاء , ولا مكره له سبحانه.

قال ابن تيميه :( وكل الذين يؤذون الله ورسوله هو الذي مكنهم , و صبر  على أذاهم بحكمته , فلم يفتقر إلى غيره , ولم يخرج شيء عن مشيئته , ولم يفعل أحد ما لا يريد)([18]).

_________________

([1] (متفق عليه).

([2] (عدة الصابرين (421) بتصرف يسير، وانظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/100)، والحجة في بيان المحجة (2/489).

([3] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2/482)، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/138)

([4] (أنظر: الحجة في بيان المحجة (9/489)، وعدة الصابرين (422-423)، وتوضيح الكافية الشافية للسعدي، مطبوع ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي (3/381-382)، وبهذا المعنى قال بعض أهل التأويل، أنظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/148)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (8/336)، والأسنى للقرطبي (1/138).

([5])  الكافية الشافية، شرح ابن عيسى (2/228).

([6])  انظر عدة الصابرين (420), والمجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي (7/21).

([7])  عدة الصابرين (422).

([8])  المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي.

([9])  انظر : تهذيب اللغة (12/122) مادة (صبر) ,ومشكل الحديث لابن فورك (509),وشرح النووي على مسلم (17/152).

([10])  تفسير أسماء الله الحسنى (65), وانظر : النهاية في غريب الحديث (3/7), وإيثار الحق لا بن الوزير (175) وفتح الباري (13/361).

([11])  عدة الصابرين (425).

([12] عدة الصابرين (420 -421).

([13])  عدة الصابرين (422).

([14])  متفق عليه : البخاري (4/ 4549) , مسلم (15/ 5-6) ح(2246).

([15])  صحيح البخاري ( 4/ 1629)ح (4212).

([16])  مسلم (16/368) ح (2577).

([17])  نقلاً عن تيسير العزيز الحميد (607), وانظر: القول المفيد  للعثيمين (2/ 352-356).

([18])  مجموع الفتوى (11/360-361).

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com