300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
أهـــــــل العقيـــــدة  »  ترجمة شيخ الإسلام ابن تيميه

 

شيخ الإسلام ابن تيميه

 

 

1.  اسمه وكنيته .

هو شيخ الإسلام تقي الدين (1) أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ابن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني ثمّ دمشق .

فإذا أطلق ( شيخ الإسلام ) فالمقصود به هو .

وعند الحنابلة إذا قالوا ( الشيخ تقي الدين ) فالمقصود به هو .

إذا أطلق ( ابن تيمية ) فكذلك.

- ومن تيميه ؟

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي : قيل إن جده محمد بن الخضر حجّعلى درب تيماء فرأى هناك طفلة ، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت له بنتاً ، فقال : يا تيمية يا تيمية ، فلقب بذلك .

قال ابن النجار ذكر لنا أن جده محمداً كانت أمه تسمى تيمية وكانت واعظة ، فنسب إليها وعرف به .

( العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ص 18 )

2.  ولادته :

ولد سنة إحدى وستين وستمائة بحرّان (2) ، وسافر والداه به وبإخوته إلى الشام عند جور التتار .. وقدموا دمشق في أثناء سنة سبع وستين وستمائة .. وُلد في بيت علم ودين .

 

3.  والده وجدّه .

فوالده : الشيخ شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ..

وُلد سنة سبع وعشرين وستمائة بحرّان .. وتوفي سنة اثنتين وثمانين وستمائة بدمشق .

قال الذهبي : قرأ المذهب حتى أتقنه على والده ودرس وأفتى وصنّف ، وصار شيخ البلد بعد أبيه .

وكان الشيخ شهاب الدين من أنجم الهدى ، وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس .

قال ابن رجب : يشير إلى أبيه وابنه ، فإنّ فضائله وعلومه انغمرت بين فضائلهما وعلومهما.

( الذيل على طبقات الحنابلة 2/310 )

وأما جده ، فهو : مجد الدين أبي البركات عبد السلام .. الإمام المقرئ المُحدّث المفسّر فقيه الوقت وأحد الأعلام .

- وُلد مجد الدين سنة تسعين وخمسمائة – تقريباً – بحرّان .. وتوفي سنة ثلاث وخمسين وستمائة.

- ومجد الدين من أعيان المذهب ، قال العلامة ابن رجب في طبقاته في ترجمة ابن منى ( وأهل زماننا ومن قبلهم إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين : الموفق و المجد ) .

- قال شيخ الإسلام : كان جدنا عجباً في سرد المتون ، وحفظ مذاهب الناس وإيرادها بلا كلفة .

وقال العلامة ابن حمدان : كنت أطالع على درس الشيخ - المجد - وما أبقي ممكناً فإذا أصبحت وحضرت ، ينقل أشياء كثيرة لم أعرفها قبل . ( سير أعلام النبلاء 23/292)

- وكان شديد الحرص على الوقت .

قال ابن القيم : حدثني أخو شيخنا عبد الرحمن بن تيمية عن أبيه قال : كان الجد إذا دخل الخلاء يقول لي اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك حتى اسمع وأعرف. ( روضة المحبين 70 )

وممن كان يفعل مثل هذا ابن أبي حاتم .

سُئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته لأبيه .

فقال : ربما كان يأكل وأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت في طلب الشيء وأقرأ عليه . (سير أعلام النبلاء 13/251)

وكانوا يفعلون ذلك من شدة محبتهم للعلم .

قال الإمام ابن القيم : وأما عشاق العلم فأعظم شغفاً به وعشقاً له من كل عاشق بمعشوقه وكثير منهم لا

يشغله عنه أجمل صورة .. وحدثني شيخنا قال : ابتدأني مرض فقال لي الطبيب إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض فقلت له : لا أصبر على ذلك وأنا أحاكمك إلى علمك أليست النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة فدفعت المرض فقال : بلى ، فقلت له : فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة

فقال هذا خارج عن علاجنا أو كما قال. ( روضة المحبين 69 - 70 )

العلامة الحافظ النّسّابة الزبير بن بكّار : قالت بنت أختي لأهلنا : خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضَرة ولا سُرِّية ، قال : تقول المرأة : والله هذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر . (سير أعلام النبلاء  12/213)

4.  علمه.

- شيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ .

- وسمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات ، وسمع الكتب الستة الكبار ، والأجزاء ، ومن مسموعاته : معجم الطبراني الكبير ، وعني بالحديث ، وقرأ ونسخ وتعلم الخط والحساب في المكتب ، وحفظ القرآن ، وأقبل على الفقه ، وقرأ العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهم في النحو وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً حتى حاز فيه قصب السبق ، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك .

هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وسرعة إدراكه.

- واتفق أن بعض مشايخ العلماء بحلب قدم إلى دمشق وقال سمعت في البلاد بصبي يقال له احمد بن تيمية وأنه سريع الحفظ وقد جئت قاصدا لعلي أراه ..

- وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي : نشأ الشيخ تقي الدين رحمه الله في تصوّن تام وعفاف وتأله وتعبد واقتصاد في الملبس والمأكل ، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره ويناظر ويفحم الكبار ، ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم ، فأفتى وله تسع عشرة سنة بل أقل ، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت ، وأكب على الاشتغال ، ومات والده وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم ، فدرس بعده بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة ... وتقدم في علم التفسير والأصول وجميع علوم الإسلام أصولها وفروعها ودقها وجلها..... وله خبرة تامة في الرجال ، وجرحهم وتعديلهم ، ومعرفة بفنون الحديث ، والصحيح والسقيم ، مع حفظه لمتونه الذي انفرد به ، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته ، ولا يقاربه ، وهو عجيب في استحضاره ، واستخراج الحجج منه ، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة ، بحيث يصدق عليه أن يقال : كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ... واشتهر أمره وبعد صيته في العالم ..

( العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية / محمد بن أحمد بن عبد الهادي ص 40 )

- وقال العلامة كمال الدين بن الزملكاني : كان إذا سئل عن فن من العلم ظنّ الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله ، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك ، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ، ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه .

- وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي : وبلغني من طريق صحيح عن ابن الزملكاني أنه سئل عن الشيخ ، فقال : لم يُر من خمسمائة أحفظ منه . ( الذيل على طبقات الحنابلة 2/392 )

5- جهاده :

كان رحمه الله تعالى قائماً بأمر الجهاد ، وله في ذلك  مواقف كثيرة ، فمن ذلك :

قال ابن كثير :

-      ولما كان يوم الجمعة سابع عشر شوال سنة (697)  عمل الشيخ تقي الدين بن تيمية ميعاداً في الجهاد   وحرض فيه وبالغ في أجور المجاهدين وكان ميعاداً حافلاً جليلا.

- ذكر في أحداث سنة (699) : واقترب جيش التتر وأرسل قبجق إلى نائب القلعة ليسلمها إلى التتر فامتنع أرجواش من ذلك أشد الامتناع فجمع له قبجق أعيان البلد فكلموه أيضا فلم يجبهم إلى ذلك وصمم على ترك تسليمها إليهم وبها عين تطرف فان الشيخ تقي الدين بن تيمية أرسل إلى نائب القلعة يقول له ذلك لو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت وكان في ذلك مصلحة عظيمة لأهل الشام .

- ابن كثير : وقعة شقحب (702) : ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق فسار إليه فحثه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر فجاء هو وإياه جميعا فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال فقال له الشيخ السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة . فيقول له الأمراء : قل إن شاء الله ، فيقول : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضا . وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوا وعلى القتال أفضل فيأكل الناس وكان يتأول في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم إنكم ملاقوا العدوّ غدا والفطر أقوى لكم فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري..

واستظهر المسلمون عليهم ولله الحمد والمنة .. دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه من الجهاد

ففرح الناس به ودعوا له وهنؤه بما يسر الله على يديه من الخير . ( البداية والنهاية 14/25)

-  البزار: وأخبر غير واحد أن الشيخ رضي الله عنه كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة وبين له فضل الجهاد والمجاهدين وإنزال الله عليهم السكينة وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيرا انكي في العدو من كثير من الفتك بهم ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت .

وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أموراً من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها ، قالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره . ( الأعلام العلية ص 67 )

- وجاهد رحمه الله تعالى بقلمه ، فردّ على اليهود والنصارى والفلاسفة وعلى طوائف أهل البدع .

6.  قيامه بالأمر بالمعروف ونهيه عن المنكر :

- له رسائل إلى البحرين ، وإلى ملوك العرب ، وإلى ثغور الشام إلى طرابلس وغيرها بمصالح تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( العقود الدرية ص 66 )

- ابن كثير :

واقعة عساف النصراني :

كان هذا الرجل من أهل السويداء قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجي أمير آل علي فاجتمع الشيخ تقي الدين بن تيمية والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث ، فدخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب السلطنة .. وصنف الشيخ تقي الدين ابن تيمية في هذه الواقعة كتابه الصارم المسلول على ساب الرسول . ( البداية والنهاية 13/336)

 

7.  زهده في المناصب :

- قال ابن رجب : عرض عليه قضاء القضاة قبل التسعين ، ومشيخة الشيوخ ، فلم يقبل شيئاً من ذلك.

- عمر بن علي بن موسى البزار : أخبرني من لا اتهمه أن الشيخ رضي الله عنه حين وشي به إلى السلطان المعظم الملك الناصر محمد أحضره بين يديه ، قال فكان من جملة كلامه : إنني أخبرت انك قد أطاعك الناس  وأن في نفسك أخذ الملك فلم يكترث به ، بل قال له بنفس مطمئنة وقلب ثابت وصوت عال سمعه كثير ممن حضر :  أنا أفعل ذلك ، والله إن ملكك وملك المغل لا يساوي عندي فلسين .

فتبسم السلطان لذلك ، وأجابه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة إنك والله لصادق وإن الذي وشيء بك إلي كاذب . ( الأعلام العلية - 72  )

8- حاله :

ابن القيم : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة . وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة .

وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا .

وكان يقول في سجوده وهو محبوس اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله .

وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه .

ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } .

وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشاً منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليه . ( الوابل الصيب  ص 67 )

- وكان رحمه الله تعالى من أورع الناس وأزهدهم وأكرمهم .

9.ثناء العلماء عليه .

- ابن دقيق العيد :

لما وفد شيخ الإسلام على مصر سنة (700) اجتمع بالشيخ أعيان البلد ومنهم الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد (ت702 ) فسمع كلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، وقال له بعد سماع كلامه : ما كنت أظن أن الله تعالى بقي يخلق مثلك . وقال أيضاً : لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد . ( الرد الوافر  ص 59 )

- ابن كثير : وجدت بخط ابن الزملكاني انه قال : اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وان له اليد الطولي في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتدين وكتب على تصنيف له هذه الأبيات : ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر ... هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة الدهر ... هو آية في الخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر ...

وهذا الثناء عليه وكان عمره يومئذ نحو الثلاثين سنة . ( البداية والنهاية 14/137 )

- وقال أيضاً ابن الزملكاني : الإمام العالم العلامة الأوحد الحافظ المجتهد الزاهد العابد القدوة إمام الأئمة قدوة الأمة علامة العلماء وارث الأنبياء آخر المجتهدين أوحد علماء الدين بركة الإسلام حجة الأعلام قامع المبتدعين محي السنة ومن عظمت به لله علينا المنة وقامت به على أعدائه الحجة واستبانت ببركته وهديه.

- أبو حيان النحوي :

قال القاضي الفاضل ابن فضل الله العمري : ولما سافر ابن تيمية على البريد سنة سبعمائة وحض أهل مصر

على الجهاد في سبيل الله وأغلظ في القول للسلطان والأمراء ، ثم رتب له في مدة مقامه بالقاهرة في كل يوم دينار وتحفة وجاءته بقجة قماش فلم يقبل من ذلك شيئا ، قال : وحضر عنده شيخنا أبو حيان وكان علامة وقته في النحو ، فقال : ما رأت عيناي مثل ابن تيمية ، ثم مدحه أبو حيان على البديهة في المجلس : خير البرية نور دونه القمر ... حبر تسربل منه دهره حبرا ... بحر تقاذف من أمواجه الدرر ... قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر ... فأظهر الحق إذ آثاره درست ... وأخمد الشر إذ طارت له الشرر ... كنا نحدث عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظر ...

قال ثم دار بينهما كلام فيه ذكر سيبويه ، فقال ابن تيمية فيه كلاما نافره عليه أبو حيان وقطعه بسببه ، ثم عاد من أكثر الناس ذما له واتخذه له ذنبا لا يغفر.

وقال الشيخ زين الدين ابن رجب في كتابه الطبقات عن هذه الأبيات : ويقال إن أبا حيان لم يقل أبياتا خيرا منها ولا أفحل .

وهذه القصة ذكرها الحافظ العلامة ابن كثير في تاريخه وهي أن أبا حيان تكلم مع الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة في النحو فقطعه ابن تيمية فيها فذكر أبو حيان كلام سيبويه فقال ابن تيمية : يفشر سيبويه ، أسيبويه نبي النحو أرسله الله به حتى يكون معصوما ، سيبويه أخطأ في القرآن في ثمانين موضعاً لا تفهمها أنت ولا هو .   ( الشهادة الزكية ص 32 )

- الذهبي : شيخنا الإمام العالم العلامة الأوحد شيخ الإسلام مفتي الفرق قدوة الأمة أعجوبة الزمان بحر العلوم حبر القرآن تقي الدين سيد العباد أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رضي الله تعالى عنه .... وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته ، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت إني ما

رأيت بعيني مثله ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم.  ( الذيل على طبقات الحنابلة 2/310 )

10.صبره على المحن :

سجن شيخ الإسلام رحمه الله سبع مرات لمدد متفاوتة، بلغت جملتها خمس سنوات، أسبابها كلها واهيات، فهي نتيجة حسد، ووشاية، وسعايات .

المرّة الأولى : في دمشق عام 693 ، كانت مدتها قليلة، وفائدتها كبيرة، وثمرتها جليلة؛ سببها واقعة عساف النصراني،وكان من نتيجة هذه الحادثة أن ألف شيخ الإسلام : (الصارم المسلول على شاتم الرسول)، الذي أصبح مرجعاً يرجع إليه الناس كلما نيل أحد من أنبياء الله ورسله.

الثانية : كانت في القاهرة، وكانت مدتها سنة ونصف من يوم الجمعة 26/9 رمضان 705 إلى يوم الجمعة

 23/3 ربيع أول 707 ؛ كانت بدايتها في سجن "برج"، ثم نقل إلى الجب بقلعة الجبل.
وسببها كما ذكره الحافظ ابن كثير في حوادث 705، كان مسألة العرش، ومسألة الكلام، ومسألة النزول . و عندما أخرجوا من السجن دعا أخوه عبد الله الملقب بالشرف على من تسبب في حبسه ظلماً وعدواناً ، فمنعه شيخ الإسلام ، وقال له : بل قل : اللهم هب لهم نوراً يهتدون به إلى الحق.

الثالثة : كانت بمصر أيضاً، ولمدة قليلة، أسبوعين من 3/10/707 إلى 18/10/707.

وسببها أنه ألف كتاباً في الاستغاثة، المعروف بالرد على البكري، لهذا استعدى عليه الصوفية بالقاهرة، فكون له مجلس، فمنهم من برأه ومنهم من أدانه.

الرابعة:  بمصر  في قاعة "الترسيم"، لمدة شهرين أو تزيد، من آخر شهر شوال 707، إلى أول سنة 708.

وكانت تلك السجنة بسبب مؤامرة تولاها نصر المنبجي ، مستغلاً صلته بالحاكم الجاشنكير.

الخامسة : كانت بالإسكندرية من يوم 1/3/709 إلى 8/10/ 709، لمدة سبعة شهور، وهي بمكيدة من نصر المنبجي والجاشنكير .

لقد عزموا أن ينفوه إلى قبرص، وهدِّد بالقتل ، فقيل له في ذلك ، فقال مقالته المشهورة ، وكلمته المشكورة : "إن قتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة، ولو نفوني إلى قبرص دعوتُ أهلها إلى الله فأجابوني، وإن حبسوني كان لي معبداً، وأنا مثل الغنمة كيفما تقلبت تقلبت على صوف"، فيئسوا منه وانصرفوا.

ولكن الله يدافع عن الذين آمنوا، فما هي إلا شهور حتى رجع الملك الناصر محمد بن قلاوون 709، مخالفاً الخائن الجاشنكير، فأفرج عن الشيخ، واستدعاه من الإسكندرية إلى القاهرة، وأكرمه، وأجله، واستفتى الشيخ في قتل المشايخ الذين كانوا سعوا به إلى الجاشنكير وأرادوا قتله بعد سجنه، ولكن الشيخ رحمه الله علم مراد السلطان وأنه يريد أن يتخلص منهم انتقاماً لنفسه، فشرع الشيخ في مدحهم والثناء عليهم، وقال: إن هؤلاء أفضل ما في مملكتك، فإن قتلتهم فلا تجد بديلاً عنهم؛ وقال له: أما أنا فهم في حل من جهتي.ولهذا قال ابن مخلوف قاضي المالكية في زمانه، وكان من المحرضين عليه، بعد ذلك: ما رأينا أتقى من ابن تيمية، لم نبق ممكناً في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا.

وبعدها نزل الشيخ القاهرة ، وتردد عليه الخلق على اختلاف طبقاتهم يسألونه ، ويستفتونه ، ويحرضونه على خصومه، وما فتئ يقول: أنا أحللت كل من آذاني، ومن آذى اللهَ ورسوله فالله ينتقم منه.

ثم عاد إلى دمشق بصحبة السلطان لملاقاة التتار بعد غيبة منها دامت سبع سنين، سجن فيها أربع مرات ولمدة سنتين ونصف.

السادسة : كانت بدمشق لمدة ستة أشهر تقريباً من يوم الخميس 12/7/720 إلى يوم الاثنين 10/1/721، بسبب الحلف بالطلاق لقد أثمرت هذه السجنة عن العديد من الكتب والرسائل المفيدة، والردود الحافلة على الخصوم والمعاندين، منها "الرد الكبير على من اعترض عليه في مسألة الحلف بالطلاق".
السابعة
: بدمشق لمدة عامين وثلاثة أشهر ونصف تقريباً، من يوم الاثنين 6/8/726 إلى ليلة الاثنين 20/11/728، حيث أخرجت جنازته من سجن القلعة ؛ وكانت بسبب مسألة الزيارة، وأنتجت "الرد على الإخنائي". وقد فتح عليه في هذه المرة من الفتوح الربانية ، والعلوم النافعة ، والعبادة الخالصة ، هذا بجانب العديد من الرسائل والفتاوى ، على الرغم من حرمانه من كتبه وأدوات الكتابة ، فكان يكتب من حفظه.

11.وفاته ودفنه.

ولما أخرج ما عنده من الكتب والأوراق أقبل الشيخ بعد إخراجها على العبادة والتلاوة والتذكر والتهجد حتى أتاه اليقين .

وختم القرآن مدة إقامته بالقلعة ثمانين أو إحدى وثمانين ختمه انتهى في آخر ختمة إلى آخر اقتربت الساعة
( إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . ( العقود الدرية ص 384 )

- قال الحافظ ابن كثير في أحداث سنة (728)  :

قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخ : وفي ليلة الاثنين العشرين من ذي العقدة توفي الشيخ الإمام العالم العلم العلامة الفقيه الحافظ الزاهد العابد المجاهد القدوة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسا بها وحضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه وجلس جماعة عنده قبل الغسل ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ثم انصرفن واقتصروا على من يغسله .

فلما فرغ من غسله اخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضا ! والكلاسة وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس من شدة الزحام وصُلي عليه أولا بالقلعة تقدم في الصلاة عليه أولا الشيخ محمد بن تمام ثم صلى عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة الظهر وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره ثم تزياد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيها ثم حمل بعد أن صلى عليه حُمل على الرؤوس والأصابع وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب والترحم عليه والثناء والدعاء له وألقى الناس على نعشه مناديلهم وإعمائهم وثيابهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجنازة وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارة يتأخر وتارة يقف حتى تمر الناس وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام كل باب أشد زحمة من الآخر ثم خرج الناس من أبواب البلد جميعها من شدة الزحام فيها لكن كان معظم الزحام من الأبواب الأربعة باب الفرج الذي أخرجت منه الجنازة وباب الفراديس وباب النصر وباب الجابية وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن فلما قضيت الصلاة حمل إلى مقبرة الصوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله رحمهما الله وكان دفنه قبل العصر بيسير وذلك من كثرة من يأتي ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور مع الترحم والدعاء له وأنه لو قدر ما تخلف وحضر نساء كثيرات بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة غير اللاتي كن على الاسطحة وغيرهن الجميع يترحمن ويبكين عليه فيما قيل وأما الرجال فحزروا بستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير وتضرع وختمت له ختمات كثيرة بالصالحية وبالبلد وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلا ونهارا يبيتون عنده ويصبحون ورئيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة . ( البداية والنهاية 14/131 )

- قال أهل التاريخ لم يسمع في جنازة بمثل هذا الجمع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل .

قال الدارقطني سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز.

قال أبو عبد الرحمن السلمي حزر الحزارون المصلين على جنازة أحمد فبلغ العدد بحزرهم ألف ألف وسبعمائة ألف سوى الذين كانوا في السفن .    ( الشهادة الزكية 66 / مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي )

- ابن رجب : قال وصلى عليه صلاة الغائبة في غالب بلاد الإسلام القريبة والبعيدة حتى في بلاد اليمن والصين وأخبر المسافرون أنه نودي بأقصى الصين للصلاة عليه يوم الجمعة الصلاة على ترجمان القرآن.

- الذهبي لنفسه يرثي شيخ الإسلام أبا العباس ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه ... يا موت خذ من أردت أو فدع ... محوت رسم العلوم والورع ... أخذت شيخ الإسلام وانفصمت ... عرى التقى واشتفى منه أولو البدع ... غيّبت بحرا مفسرا جبلا ... حبرا تقيا مجانب الشيع ... فإن يحدث فمسلم ثقة ... وإن يناظر فصاحب اللمع ... وإن يخض نحو سيبويه يفه ... بكل معنى من الفن مخترع ... وصار عالي الإسناد حافظه ... كشعبة أو سعيد الضبعي ... والفقه فيه فكان مجتهدا ... وذا جهاد عار من الجزع ... وجوده الحاتمي مشتهر ... وزهده القادري في الطمع ... أسكنه الله في الجنان ولا ... زال عليا في أجمل الخلع ... مع مالك

الإمام وأحمد ... والنعمان والشافعي والخلعي ... مضى ابن تيمية وموعده ... مع خصمه يوم نفخة الفزع.

 

جمع : محمود بن خليل عليوات

( أبو عبد الرحمن المقدسي 3/12/1429 )



(1) قال الإمام ابن القيم : الكنية : كأبي فلان وأم فلان ، وإن لم يُصّدر بذلك فهو الاسم كزيد وعمرو،

وهذا هو الذي كانت تعرفه العرب وعليه مدار مخاطباتهم ، وأما فلان الدين وعز الدين وعز الدولة

وبهاء الدولة فإنهم لم يكونوا يعرفون ذلك

وإنما أتى هذا من قبل العجم.
( تحفة المودود 86 )

(2) قال ياقوت الحموي : هي مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور وهي قصبة ديار مضر بينها

وبين الرها يوم وبين الرقة يومان وهي على طريق الموصل والشام والروم ، قيل :

سميت بهاران أخي إبراهيم عليه السلام لأنه أول من بناها فعُرّبت فقيل : حران ،

وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان ، وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون

... فتحت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وينسب إليها جماعة كثيرة

من أهل العلم ولها تاريخ . ( معجم البلدان  2/235)

وهي مدينة قديمة جداً تقع شمالي أرض الجزيرة ، بالقرب من منابع نهر "البليخ" أحد روافد نهر الفرات على

خط طول 39 شرقاً وعرض 37 شمالاً وغربي مدينة رأس عين ، وشمالي مدينة الرَّقة وإلى جنوب غرب

مدينة الرُّها ويقرب عمرها الآن أكثر من ثلاثة آلاف سنة ..

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com