300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
أخــــطاء عقــــــديـة  »  إنكار الخطأ وقبول بقية الصواب

 

إنكار الخطأ وقبول بقية الصواب .
محمد بن علي يحيى الأخرش
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا الأمر – إنكار الخطأ وقبول بقية الصواب – كان من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تصحيح الأخطاء ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم - سواءَ في العبادات أو غيرها – أنه أنكر موضع الخطأ وشدّد عليه وصححه ، وقبل بقية الصواب ، ووافق صاحبه عليه ، وشجعه ، وأمضاه .
والعمدة في هذا الموضوع هو ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه حيث ساق بسنده : عن خالد بن ذكوان قال : قالت الرّبيٍّع بنت معوَّذ بن عفراء : جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ، حين بُنيَ عليَّ ، فجلس على فراشي كمجلسك منّي ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدّف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهنَّ : وفينا نبيّ يعلم ما في غد ، فقال : ( دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين )[1] .
فهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر موضع الخطأ وهو قول الجارية : وفينا نبي يعلم ما في غدِ ، وعلّل ذلك عليه الصلاة والسلام – كما جاء عند ابن ماجه – بقوله : ( ما يعلم ما في غد إلا الله )[2] وأشار عليهما بترك قولها السابق ثم ، قَبِلَ الباقي عليه الصلاة والسلام وهو المدح غير المبالغ فيه وغير المذموم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي : ( اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها )[3]
وهذا النهي هو ما يتعلق بمدحه عليه الصلاة والسلام المدح المتجاوز فيه ، والمنهي عنه ، وهو الإطراء الذي ورد عنه النهي عنه صريحاً : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله )[4] ، [5].
وكذلك ورد مثل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم لوفد بني عامر لما قالوا له : أنت سيدنا ، فقال : ( السيد الله تبارك وتعالى ) قلنا ، وأفضلنا ، فضلاً وأعظمنا طولا ، فقال : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجر ينّكم الشيطان )[6] .
فالنبي هاهنا أنكر عليهم قولهم : أنت سيدنا ، وعلّل ذلك بأن السيد هو الله تبارك وتعالى ، ثم سكت عن باقي المدح إعلاماً منه عليه الصلاة والسلام أنه صواب ، ولا شيء فيه لكنهم ينبغي لهم أن لا ينساقوا وراء الشيطان في كثرة المدح .
وهذا الموضوع – إنكار الخطأ وقبول بقية الصواب – يدل على منهج النقد أيما دلالة حيث إن من تعاريف النقد اللغوية : أنه تمييز الدراهم عن غيرها ، والنقر بالإصبع في الجوز [7] .
فكأن إنكار موضع الخطأ وقبول بقية الصواب كتمييز الدراهم بعضها من بعض لمعرفة الجيد منها والرديء ، وكذلك النقر للجوز لمعرفة الصحيح منه وغير الصحيح ، ولذلك فقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج حتى في العبادات ، فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس على بعض الأمور مع الإنكار عليهم في أمور ، فدلّ ذلك على أن هذا المنهج هو من مناهج تصحيح الأخطاء ، التي ينبغي لمن أراد التصحيح أن يعتني به ، إذ ليس في كل أقوال وأفعال الناس خطأ عام ، فهناك من الناس من يقول كلاماً أو يفعل فعلاً ، وليس بالضرورة أن كل كلامه خطأ ، ولا كل فعاله خطأ ، وإنما الذي يحتاج إليه أن يُعَدَّل له خطؤه ويصحح له ، ويبقي الصواب .
ولا شك أن مثل هذا التصرف يشعر المخطئ بإنصاف ، وعدل القائم بالإنكار والتصحيح ، ويجعل تنبيهه أقرب للقبول في النفس ، بخلاف بعض المنكرين الذين قد يغضب أحدهم من الخطأ ، غضباً يجعله يتعدى في الإنكار يصل به إلى تخطئة ورفض سائر الكلام ، بما أشتمل عليه من حق ، وباطل ، مما يسبب عدم قبول كلامه وعدم انقياد المخطئ للتصحيح [8].
أما الشاهد في موضوعنا وهو إنكار موضع الخطأ وقبول بقية الصواب في أحاديث العبادة فمن ذلك ما يلي :
1- حديث صفوان بن يعلى أن يعلى قال لعمر رضي الله عنه : أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحي إليه . قال : فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة – ومعه نفر من أصحابه – جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمّخ بطيب ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي ، فأشار عمر رضي الله عنه إلى يعلى، فجاء يعلى – وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أُظلًّ به – فأدخل رأسه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمرّ الوجه وهو يَغِطٍّ ، ثم سُرِّى عنه فقال : أين الذي سأل عن العمرة ؟ فأُتى برجل فقال : ( اغسل الطٍّيب الذي بك ثلاث مرّات ، وانزع عنك الجبّة ، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك )[9].
فالنبي عليه الصلاة والسلام صحح الخطأ عند ذلك الرجل لما جعل في ثوبه الطيب بغسله ، ثم أمره بنزع الجبًّة ، ثم أقرّه على سائر عمله وأمره أن يصنع في عمرته كما يصنع في حجه .
واستُدلَّ بهذا الحديث ، كذلك على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسياً أو جاهلاً ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه .
وهذا الحديث ظاهر في أن السائل كان عالماً بصفة الحج دون العمرة فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم ( واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )[10]
وفي هذا الحديث إشارة كذلك إلى هذا المنهج ، وهو منهج النقد بإنكار محل الخطأ وتصحيحه ، وهو غسل الثوب من أثر الطيب ، ونزع الجبّة ، ثم قبول باقي الأعمال كما هي صحيحة ، حيث لم يؤمر الرجل بالإعادة لما تقدم من أعماله في العمرة ، كالتلبية ، وانعقاد الإحرام ، وغير ذلك .
ولأنه لم تلزمه الفدية ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بها ، وقيل لأنه أتى بهذه الأمور قبل نزول الحكم ، ثم نزل الحكم بعدها .[11]
2 - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادى بين ابنيه قال : ( ما بال هذا ؟ ) قالوا : نذر أن يمشي ، قال : (إن الله – عن تعذيب هذا نفسه – لغني وأمره أن يركب )[12]
- ومثله حديث عقبة بن عامرقال : ( نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله ، وأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيته ، فقال صلى الله عليه وسلم : لتمش ولتركب)[13].
ففي هذين الحديثين بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم موضع الخطأ وأنكره ، فحديث الرجل الذي نذر أن يمشي إلى الكعبة كان موضع الخطأ هو المشي لأن الرجل لا يطيق هذا المشي لكبر سنه ، بل وصحّح له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخطأ ، بحيث أمره بالركوب ، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن الباقي ، وهو النذر ، بل أجازه ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره بالمشي إلى الكعبة لأمرين :
1- (( لأن الحج راكباً أفضل من الحج ماشياً ، فنذرُ المشي يقتضي التزام ترك الأفضل ، فلا يجب الوفاء به .
2- لكونه عجز عن الوفاء بنذره . ))[14]
أما حديث عقبة في إخباره عن أخته ، فإنكار موضع الخطأ بيِّن ، حيث أنَّ نَذرها المشي إلى بيت الله الحرام مع عجزها عن ذلك خطأ فصحَّح – عليه الصلاة والسلام – هذا الخطأ بقوله : ( لتمش ولتركب ) ومعناه كما قال النووي : (( تمشي في وقت قدرتها على المشي ، وتركب إذا عجزت عن المشي ، أو لحقتها مشقة ظاهرة ، فتركب ، وعليها دم ))[15]
ووجه كونها عليها دم ، لما وقع في رواية أخرى للحديث : ( فلتركب ولتهدِ بَدنَةِ ) ، أما النّذر بحدِّ ذاته فصحيح ، ولذا سكت عن بيانه عليه الصلاة السلام وإنكاره ، بل أقرهم عليه وأمرهم بالوفاء به .
- ومثل ما سبق : ما ورد عن رجل يسمى بأبي إسرائيل حيث نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه )[16].
فأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم موضع الخطأ ، وهو القيام ، وعدم الاستظلال ، والصمت ، وصححه له ، بحيث أمره بالكلام ، والاستظلال ، والقعود ، وقبل منه الباقي وهو الصوم لأنه صحيح وهو من نذر الطاعة ولا يشق ذلك – الصوم – على الرجل .
وعلق ابن حجر رحمه الله على هذا الحديث بقوله : (( وفيه – الحديث – أن كل شيء يتأذى به الإنسان ، ولو مآلاً مما لم يرد بمشروعيته كتاب ، أو سنة ، كالمشي حافياً ، والجلوس في الشمس ، ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به النذر ، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أَبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره ، وهو محمول على أنه عَلِمَ أنه لا يشق عليه ، وأمره أن يقعد ويتكلم ويستظل ))[17]
3 - حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث يقول : أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدتُ حَجرين ، والتمستُ الثالث ، فلم أجده ، فأخذتُ روثةً ، فأتيته بها ، فأخذ الحجرين ، وألقى الرّوثة ، وقال : ( هذا ركس ).[18]
فهذا الحديث يدل كذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر الخطأ . بل وبادر إلى ردِّه ، وذلك لما ردَّ الروثه – التي نهى أن يستنجى بها - ، وقال : ( هذا ركس ) إنكاراً عليه فعله هذا . أي : (( فكأنه قال : هذا ردُّ عليك )) [19] .
والركس هو الرجيع وهو ردُّ من حالة الطعام إلى حالة الروث .[20]
وبهذا يتبين أهمية منهج : إنكار الخطأ وقبول الصواب ، كما سنَّ هذا المنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فكم نحن بحاجة إلى اقتفاء هذا منهج ،وخصوصاً في تعاملنا مع المخالف والمخطئ والعاصي والذي ارتكب خطاً وهو يظن أنه يحسن صنعاً بدافع الحماس أو الغيرة أو ما إلى ذلك.



[1] أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب : ضرب الدّف في النكاح والوليمة حديث رقم ( 5147 ) .
[2] أخرجه ابن ماجه كتاب النكاح ، باب الغناء والدّف حديث رقم ( 1897 ) . والحديث صحيح حيث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه برقم ( 1539 ) ، 1 / 320 .
[3] أخرجه الترمذي كتاب النكاح ، باب 6 : ما جاء في إعلان النكاح حديث رقم ( 1090 ) و صحح الحديث الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم ( 870 ) ، 1 / 316 .
[4] تقدم تخريجه ص 220 .
[5] انظر فتح الباري : 9 / 110 .
[6] أخرجه أبو داوود كتاب الأدب ، باب في كراهية التمادح ، حديث رقم ( 4806 ) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم ( 4806 ) ، 3 / 181 .
[7] القاموس المحيط مادة ( نقد ) ص 412 .
[8] انظر : الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس : المنجد ص 66 .
[9] أخرجه البخاري كتاب الحج ، باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب حديث رقم ( 1536 ) ، ومسلم كتاب الحج ، باب تحريم الطيب في الحج ، حديث رقم ( 1180 ) .
[10] انظر شرح صحيح مسلم للنووي 3 / 256 وكذلك فتح الباري : 3 / 462 .
[11] انظر فتح الباري : 4 / 75 .
[12] أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد ، باب : من نذر المشي إلى الكعبة حديث رقم ( 1865 ) ، ومسلم ، كتاب النذر ، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة حديث رقم ( 1642 ) .
[13] البخاري المصدر السابق حديث رقم ( 1866 ) ومسلم المصدر السابق كذلك حديث رقم ( 1644 ) .
[14] فتح الباري : 4 / 95 .
[15] شرح صحيح مسلم للنووي : 4 / 268 .
[16] أخرجه البخاري كتاب الأيمان والنذور باب : النذر فيما لا يملك وفي معصية حديث رقم ( 6704 ) .
[17] فتح الباري : 11/ 598 .
[18] أخرجه البخاري كتاب الوضوء ، باب : لا يستنجى بروث ، حديث رقم ( 156 ) .
[19] فتح الباري : 1 / 310 .
[20] انظر : المصدر السابق .

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com