300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
بـحـــوث ودراســــات  »  أحكام تتعلق بالسحر والسحرة

أحكام تتعلق بالسحر والسحرة
بقلم الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
فهذه نبذة عن بعض الأحكام المتعلقة بالسحر والسحرة، وذلك بشيء من الإجمال؛ إذ المقام لا يسمح بالتفصيل، وهذه النبذة ستتناول المباحث التالية:
أولاً: حكم تعلم السحر وتعليمه.
ثانياً: حكم الساحر.
ثالثاً: حد الساحر.
رابعاً: توبة الساحر.
خامساً: حكم الذهاب للسحرة وسؤالهم، وتصديقهم فيما يقولون.
سادساً: الحكمة من النهي عن إتيان السحرة والكهان ونحوهم.
سابعاً: حكم الأجرة المأخوذة عن السحر والكهانة ونحوها.
فإلى تلك المباحث، والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
  
محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي ص.ب:460
27/5/1428هـ
جامعة القصيم _كلية الشريعة_
www.toislam.net
alhamad@toislam.net
 
 
 
 
 
 
 
أولاً: حكم تعلم السحر وتعليمه
 السحر مما يُعْلم ويتعلم، فقد بين الله _عز وجل_ ذلك في كتابه العزيز؛ فأخبر عن فرعون وقومه في آيات كثيرة وَصْفَهُمُ الساحرَ بكونه عليماً، وأن السحر مما يعلم ويتعلم.
قال الله _عز وجل_: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (البقرة:102).
وقال عن قوم فرعون: [قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ] (الأعراف:109).
وقال عنهم: [قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)] الأعراف.
وقال: [إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ] (طه:71).
وبناءً على ذلك فالسحر مقدور عليه؛ فهو مما يتعلم، ويحصَّل بحسب ما تتهيأ لطالبه.
والسحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم، وجمهورهم يراه مكفراً، ونصوص الكتاب والسنة صريحة في حرمته، قال _تعالى_: [وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ] (البقرة:102).
فقيل: إن معنى الآية: لقد علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة، أو لا دين له.[1]
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات).
قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر..) الحديث [2].
وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز تعلم السحر؛ لأنه لا يخرج عن كونه مبنياً على الشرك، أو الكذب، أو الخداع والغش، ونحو ذلك مما هو ضار بالفرد والجماعة، قال الله _عز وجل_: [وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ] (البقرة:102).
فلا نفع في السحر البتة، وما لا نفع فيه، وكان ضرره متحتماً لا يجوز تعلمه بحال، كيف وقد أخبر الله _عز وجل_ عن الساحر بقوله: [وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] (طه:69).
ومن نُفِيَ عنه الفلاحُ فلا يرجى نفعه أبداً، كما لا يمكن أن يكون نصر الحق من هذا الطريق.
وقد ذهب الجمهور إلى عدم جواز تعلم السحر من غير عمل به، وروي عن الإمام مالك تكفيره.[3]
كما أن الجمهور ذهبوا إلى تكفير الساحر مطلقاً، ومُتَعَلِّمه لأي غرض هو ساحر، فيعد داخلاً في الحكم؛ فلا يكون ساحرٌ بالفعل إلا من تعلم السحر، وكما لا يكون كاتبٌ إلا من تعلم الكتابة؛ فالتعلم محرم لذاته، أو هو _في الأقل_ ذريعةٌ إلى المحرم، والذريعة إلى المحرم يجب سدُّها.
ومما يؤكد كُفْرَ متعلم السحر قوله _تعالى_ في نفس الآية عن الملكين اللذين يعلمان الناس السحر لمن جاء متعلماً: [إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ] (البقرة:102).
أي بتعلم السحر؛ لهذا كان رأي الجمهور أن تَعَلُّمَ السحرِ حرامٌ.[4]
 
ثانياً: حكم الساحر
 لم يختلف العلماء كثيراً في حكم الساحر، وذلك راجع إلى وضوح الرؤية في أمر السحر والسحرة من حيثُ صراحةُ الأدلةِ مع أن الاختلاف في تحديد ماهية السحر واسع جداً، مما يتسع معه الخلاف عادة لولا صراحة النهي العام عن السحر والتحذير منه.
غير أن تحديد المعنى الدقيق الذي يصدق عليه لفظ السحر بمعناه الاصطلاحي المقرون بالكفر يضيِّق الخلاف، ويبقى تحديد السحر هو المهم في الأمر.
ومن أجلى تلك النصوص قوله _تعالى_: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ....] الآية.
وفي هذه الآية الكريمة الاستدلال على كفر الساحر من أوجه كثيرة:
1_ نفي الكفر عن سليمان _عليه السلام_ في معرض اتهامه بالسحر في قوله _تعالى_: [وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ].
2_ التصريح بكفر الشياطين منوطاً بتعليمهم الناسَ السحرَ.
3_ تحذيرُ الملكين طالبَ تَعَلُّمِ السحرِ بأنه كفر.
4_ نفيُ النصيبِ عن متخذه، ونفيُ النصيبِ بالكلية لا يكون إلا للكافر _عياذاً بالله_.
ومن النصوص الواردة في ذلك قوله _تعالى_: [وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] (طه:69).
وفي هذه الآية نَفْيُ الفلاح عن الساحر في أي مكان كان، وهذا دليل على كفره.
وقد ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله أمرين يدلان على أن نفي الفلاح في الآية دال على كفره:
الأمر الأول: دلالة آية سورة البقرة السابق ذكرها على كفر الساحر.
الثاني: أنه عُرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظ لا يفلح يُراد به الكافر.
ثم ضرب رحمه الله أمثلة على ذلك.[5]
ومن النصوص الصريحة في شأن السحر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عَدَّه من السبع الموبقات، فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات).
قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر....)الحديث [6].
وهناك أحاديثُ أخرى كثيرة في النهي عن السحر تؤيد معنى الحديث، وأحاديثُ في النهي عن إتيان الكهان، والعرافين، وبيان حكم آتيهم، ومصدقهم، وأن ذلك الصنيع _الكهانة والعرافة_ داخل في السحر مُلحقٌ به _كما سيأتي_.
وإذا كان ذلك شأن الملحق فكيف بالملحق به.
لهذه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة اتفق العلماء على كفر الساحر الذي يعتقد أن الكواكب مدبرة مع الله، أو أن الساحر قادر على خلق الأجسام، أو اعتقد أن فعله مباح.
ويكون المسلم بهذا كالمرتد يُستتاب؛ فإن تاب وإلا قُتل عند بعضهم، ويرى آخرون قتله بلا استتابة.[7]
كما ذهب الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد _رحمهم الله_ إلى القول بكفر الساحر مطلقاً.[8]
وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى عدم التكفير بالسحر لذاته؛ فإذا لم يكن الساحر معتقداً في الكواكب أنها مدبرة، أو أنه قادر على خلق الأجسام، أو أن فعله مباح كان فِعْلُه معصيةً كبيرة.[9]
يقول الدكتور أحمد الحمد _حفظه الله_ بعد أن ساق كلام الإمام الشافعي:
(وكأني بالإمام الشافعي رحمه الله غفل عن أنواع من السحر تأثيرها يحصل بوساطة مُعين من الشياطين بمقابل ما يُقَدِّم لهم الساحر من طاعة وخضوع في مخالفة الشرع).[10]
 
ثالثاً: حد الساحر
للعلماء _رحمهم الله_ كلام طويل في حد الساحر، وخلاصتها ترجع إلى ما يلي:
1_ حالات القتل: أ_ يقتل عند القائلين بكفره باعتباره مرتداً، وكذا عند من عدوا الساحر كافراً مطلقاً.
ويقتل عند أبي حنيفة لكونه جمع إلى الردةِ السعيَ بالأرض بالفساد، وهذا موافق لمذهب الذين ورد عنهم قتل الساحر.[11]
ب_ إذا قَتَلَ بسحره إنساناً قتل حداً عند الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد.
ويشترط أبو حنيفة أن يتكرر منه ذلك، أو يُقِر به في حق شخص مُعَيَّن، أو يشهد عليه شاهدان.
ويقتل قصاصاً عند الإمام الشافعي.[12]
2_ حالات عدم القتل: أ_ ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى عدم قتل الساحر الذي لم يشتمل سحره على اعتقاد كون الكواكب مدبرة، أو كون الساحر قادراً على خلق الأجسام، أو أن فعله مباح.
واستدل على ذلك بأدلة أبرزها أن السحر إذا لم يشتمل على تلك الأمور المكفرة _كما يرى_ لا يعد صاحبه كافراً بل عاصياً، ومجرد المعصية غير مكفر، وغير مبيح للدم، ودماء المسلمين محظورة.[13]
يقول القرطبي رحمه الله معلقاً على كلام الشافعي:
(وهذا صحيح، دماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف).[14]
يقول الدكتور أحمد الحمد _حفظه الله_ معلقاً على ما يراه الإمام الشافعي رحمه الله ، وعلى كلام القرطبي رحمه الله : (دليل حرمة دماء المسلمين، وأنها لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف _ هذا صحيح من حيثُ الحكمُ العام، أما الحالة الخاصة معنا في أمر السحر فالجمهور على أن السحر يعد مروقاً من الدين وتركاً للجماعة؛ لهذا لم ينكر أحد من الصحابة على من قتل الساحر منهم؛ فيعد هذا بمنزلة الإجماع على العمل بما ورد خاصة في الساحر، والخاص يقضي على العام).[15]
ب_ ذهب بعض الأحناف إلى عدم قتل المشعوذ[16]، وصاحب الطِّلّسم[17] إذ لا يعدون فاعل هذا ساحراً.[18]
كما ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد إلى أن من سحر بأدوية وتدخين وسقي شيءٍ يضر، ومن يعزم على الجن، ويزعم أنه يجمعها وتطيعه، والمشعوذ وقائل بزجر الطير، وضارب بالحصى، والشعير، والقداح، ونحو ذلك_ لا يعد كافراً إذا لم يعتقد الإباحة، أو أنه يعلم الغيب.
وهذا موافق لما ذهب إليه الإمام الشافعي وأصحابه من وجه.[19]
قال الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله موضحاً وجه الاختلاف والجمع بين مذهب الجمهور ومذهب الإمام الشافعي ومن وافقه في بعض أنواع السحر:
(وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف؛ فإن من لم يُكَفِّر؛ لظنه أنه يتأتَّى بدون الشرك، وليس كذلك، بل لا يتأتَّى السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشياطين والكواكب...
وأما سحر الأدوية والتدخين ونحوه فليس بسحر وإن سمي سحراً، فعلى سبيل المجاز كتسمية القول البليغ والنميمة سحراً.
ولكنه يكون حراماً لمضرته يعزر من يفعله تعزيراً بليغاً).[20]
قال الدكتور أحمد الحمد معلقاً على ما ذكر في أحوال عدم قتل الساحر: (وأقول: إن السحر أنواع كثيرة تختلف في أحكامها بحسب ما يصاحبها من الاعتقاد، وإن شملها اسم السحر من حيث الإطلاق؛ لإمكان أن يعمل أعمال السحرة مَنْ ليس ساحراً؛ فيتسمى بذلك، ولا يتأتَّى له، ومنه ما يتأتى من السحرة ولهم في كل حال، بل قد يكون منه أعمال يلتبس أمرُها على الرائي، وصاحب هذا ساحر؛ لأنه أتى بأمور تخفى على الكثيرين من حيث الشكل والهيئة التي ظهر بها، لا من حيث الواقع والحقيقة _أي أنه يمكن أن يعمل شخص نوعاً من أنواع السحر المكفر بصورته وهيئته، لكنه ليس ساحراً بالمعنى الحقيقي_ فهو لا يعظم أحداً سوى الله، ولا ينسب شيئاً مما هو لغيره، إنما استعمل تلك الطرق احتيالاً؛ فهذا لا يجعلنا نحكم على ذلك النوع بأنه غير مكفر مطلقاً؛ لأن الأصل في تلك الأعمالِ السحرُ بالمعنى الشرعي المحذور.
ومن يحاكيه مع مخالفة الحال يختلف عنه من حيث المآل، لا من حيث الحكم العام؛ لأن الصورة الظاهرة واحدة، وحكمُ الناسِ على الظاهر، والبواطن أمرها إلى الله _تعالى_.
لكن من خُبِر أمْرُه، وعُلِمَ أن ما يستعمله خالٍ من الاعتقاد الباطل، وإنما خفةُ حركةٍ، أو حدسٌ وتخمينٌ يربطه بجنس أفعال السحرة من خط بالأرض، أو زجر للطير، أو ضرب بالقداح، أو نحو ذلك من الاستقسام الخالي من الاستعانة بالشياطين، ومن ادعاء علم الغيب، أو كان باستعمال خاصةٍ من خواص المواد بطرقٍ تخفى على الآخرين _فحكم مثل هذا هو ما أشار إليه بعض الأحناف، وبعض الحنابلة بأنه لا يعتبر مكفراً، وإن اشتمل على أمور باطلة من الغش، والخداع، والكذب، ونحو ذلك؛ فهي لا تبلغ درجة الكفر، والله أعلم).[21]
 
رابعاً: توبة الساحر
اختلف العلماء في قبول توبة الساحر، وخلاصة ذلك يرجع إلى ما يلي:
1_ ذهب الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد في رواية _ إلى عدم قبول توبة الساحر.
وهذا مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وعلل بتعليلات:
منها: أن الردة بفعل السحر باطنة، والمرتد باطناً لا تعرف توبته بإظهاره الإسلام.
ومنها: أن علم السحر لا يزول بالتوبة.
ومنها: أنه جمع إلى الردةِ السعيَ في الأرض بالفساد.
وهذا في حالة ما إذا شهد عليه بذلك، أما إذا تاب قبل أن يشهد عليه بالسحر قبلت توبته لقوله _تعالى_: [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (المائدة:34).
فحكم الساحر يكون كذلك.[22]
2_ ذهب الإمام الشافعي، والإمام أحمد في رواية إلى قبول توبة الساحر؛ لأن دينه لا يزيد على الشرك، والمشرك يستتاب فإن تاب قبلت توبته وخُلِّي سبيلُه؛ فكذلك الساحر.
وعلمه بالسحر لا يمنع توبته بدليل ساحر أهل الكتاب إذا أسلم، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون، وتوبتهم.[23]
 
خامساً: حكم الذهاب للسحرة وسؤالهم، وتصديقهم فيما يقولون
 الذهاب للسحرة، ومن في حكمهم من المنجمين، والكهان، والعرافين، وسؤالهم، وتصديقهم بما يخبرون به _ فعل محرم، معدود في كبائر الذنوب، بل قد يصل إلى حد الكفر، والشرك الأكبر.
وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، ومنها ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجال يأتون الكهان.
قال: (فلا تأتهم) الحديث.[24]
وما رواه مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).[25]
وما رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد).[26]
 
أحوال الذهاب للسحرة، وسؤالهم، وتصديقهم
من خلال الأحاديث السابقة الدالة على حرمة الذهاب للسحرة ومن في حكمهم وسؤالهم وتصديقهم يتبين لنا التفصيل في ذلك، ويمكن إجماله فيما يلي:
1_ أن من سأل الساحر، أو الكاهن، أو المنجم، أو العراف عن شيء فصدقه بما يخبر فقد كفر؛ لاعتقاده أنه يعلم الغيب سواء ادعى المُخبر أن معرفته بذلك عن طريق الشياطين، أو عن طريق النجوم، أو غير ذلك.
2_ إذا سأله، ولم يصدِّقْه سواء كان ذلك السؤال استهزاءً، أو تسلية، أو استطلاعاً، أو مقابلة صحفية، أو تلفازية أو نحوَ ذلك _ فلا يكفر السائل بذلك، وإنما لا تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة؛ فإن الحديث الذي فيه الوعيد بذلك ليس فيه ذكر تصديقه، وإنما مجرد سؤاله.
والأحاديث التي فيها إطلاق الكفر مقيدة بتصديقه.
3_ إذا سأله محتسباً عليه؛ ليمتحن حاله، ويختبره، ويفضحه، ويبين زيفه، ويميز صدقه من كذبه _ فهذا جائز، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قِبَل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أُطُم بني مَغـالة[27]تشهد أني رسول الله). ) وقد قارب ابن صياد الحلمَ، فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال لابن صياد: (فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين.
فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه[28] وقال: (آمنت بالله وبرسله).
فقال له: (ماذا ترى).
قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (خُلِّط عليك الأمر).
ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (إني قد خبأت لك خبيئاً).
فقال ابن صياد: هو الدخُّ.
فقال: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك).
فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عُنُقَه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله).[29]
فامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بالدخان؛ ليتعرف حقيقة أمره؛ فهذا الحديث مخصص لعموم الأحاديث السابقة.[30]
تنبيه: ومما تحسن الإشارة إليه أن الذهاب إلى السحرة ونحوهم لا يقتصر على مجرد الإتيان إليهم ومقابلتهم وجهاً لوجه، وإنما يتعدى ذلك إلى أمور أخرى قد لا تَقِلُّ عن المقابلة الشخصية، والسؤال؛ حيث إن السحرة والمشعوذين والكهان في الأزمان الماضية لا يظهرون أمام الناس، بل يختفون في سراديب، وأماكن لا يعلم عنهم إلا القليل.
أما في هذا العصر فقد تعددت أساليبهم، وصاروا يجاهرون بسوء صنيعهم؛ حيث أَشْرَع لهم الإعلام أبوابه؛ فصاروا يظهرون على أعمدة الصحف، وفي مواقع الإنترنت، وعبر القنوات الفضائية في برامج مباشرة، وغير مباشرة، وصار المتابعون لهم يسألونهم، ويحاورونهم؛ فصارت الفتنة بهم أشد وأنكى من ذي قبل؛ لذا فإن الحكم في مثل هذه الأحوال يأخذ حكم الذهاب إليهم، وسؤالهم، وتصديقهم؛ لأن علَّة النهي عن الإتيان متحققة في مثل الأحوال المذكورة، بل ربما تكون الأساليب الأخيرة أعظم وأشد خطراً.
 
سادساً: الحكمة من النهي عن إتيان السحرة والكهان ونحوهم
قد يقال: ما المحذور من إتيان السحرة، والكهان ونحوهم، وما المانع من محادثتهم وسؤالهم إذا لم يكن الآتي والسائل لا يعتقد صدقهم، ولا قباحة فعلهم، ولا أنهم يعلمون الغيب.
والجواب أن يقال:
1_ أن التحريم حاصل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيانهم، وسؤالهم.
2_ أن ذلك اعتراف بصنيعهم، ومدعاة للتعلق بهم، أو وسيلة إلى ذلك.
3_ أن السحرة والكهان ونحوهم دعاة الشياطين، الناطقون بألسنتهم.[31]
4_ أن الشُّبَه خطافة، والفتنة غير مأمونة لمن سعى إليها، واقترب من حماها.
قال النووي رحمه الله : (قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان؛ لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان، بسبب ذلك؛ لأنهم يلبسون على الناس كثيراً من أمر الشرائع وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم).[32]
 
سابعاً: حكم الأجرة المأخوذة على السحر والكهانة ونحوها
أجمع المسلمون على تحريم أخذ ودفع الأجرة التي يأخذها الكاهن على كهانته؛ لأنه عوض عن محرم، ولأنه أكلٌ لمال الناس بالباطل.
ويأخذ حكم الكهانة ما جرى مجراها من السحر، والتنجيم ونحو ذلك، مما يتعاطاه من يستطلع الغيب[33] لما رواه البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان[34] الكاهن).[35]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (حلوان الكاهن الذي تسميه العامة (حلاوته) ويدخل في هذا المعنى ما يعطيه المنجم، وصاحب الأزلام التي يستقسم بها، مثل الخشبة المكتوب عليها (أ، ب، ج، د) والضارب بالحصى ونحوهم، فيما يعطى هؤلاء _ حرام، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء كالبغوي، والقاضي عياض، وغيرهما.
ويتبين بذلك أن الأجرة المأخوذة على ذلك، والهبة، والكرامة حرام على الدافع والآخذ، وأنه يحرم على الملاَّك، والنُّظار، والوكلاء، إكراء الحوانيت المملوكة، أو الموقوفة، أو غيرها من هؤلاء الكفار والفساق بهذه المنفعة، إذا غَلَبَ على ظنهم أنهم يفعلون فيها هذا الجبت الملعون).[36]
وقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: (كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحْسِنُ الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه).[37]
ومما ينبغي التنبيه عليه ما استجد من أساليب الكهان ونحوهم في العصر الحاضر من دفع الأموال من قبل المتعاملين مع الكهان، وأخذها مِنْ قِبَل الكهان ومَنْ في حكمهم؛ حيث إن الأمر قد اتسع؛ فصار بعض الناس يبذل ماله للكاهن مباشرة، أو يبذله في سبيل الاتصال عليه عبر الهاتف، أو عبر قناة فضائية، أو عبر الإنترنت، أو عبر المراسلة؛ فكلُّ مالٍ بُذِلَ في ذلك السبيل فهو حرام.
وكذلك الحال بالنسبة لمن أخذه مقابل كهانته، أو إعانة على ذلك كحال من يفتح قناةً، أو موقعاً إلكترونياً، أو عموداً في صحيفة ثم يخصصه للدجل، والتكهن.
وكذلك من أعان على الاتصال، أو أعان على إخراج البرنامج تصويراً، أو إخراجاً، أو دعاية، أو إجراء مقابلة مع الكاهن أو الساحر _ كل أولئك داخل في النهي الشديد، وكلهم داخل في التعاون على الإثم والعداون في صورة من أقبح صوره، وأشدها ضرراً، وأعظمها إثماً؛ فليس الأمر _إذاً_ مختصاً بالمعطي، والكاهن فحسب.
كما يجب على كل من بسط الله يده، وجعل له القدرة والسلطة أن يمنع هؤلاء الدجالين، وألا يمكن لهم ممارسة باطلهم؛ فذلك من أعظم البر، وأجل صور إنكار المنكر.
 
[1] _ انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالله ص383 ، وفتح المجيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن ص315، و السحر بين الحقيقة والخيال د. أحمد الحمد ص145_147.
[2] _ البخاري (2766) و (6857)، ومسلم (89).
[3] _ انظر الخرشي على مختصر خليل 8/63.
[4] _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص151_155.
[5] _ انظر أضواء البيان 4/442_443.
[6] _ مضى تخريجه.
[7] _ انظر أحكام القرآن للجصاص ص1/63، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/47_48، وشرح النووي على مسلم 14/176.
[8] _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/62_63، وأحكام القرآن لابن العربي 1/33، والكافي لابن قدامة 4/165، وفتح الباري لابن حجر 10/224، وحاشية ابن عابدين 4/240، وأضواء البيان 4/462.
[9] _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/63، وأحكام القرآن لابن العربي 1/31، وشرح النووي على مسلم 14/176، وفتح الباري 10/124، والسحر بين الحقيقة والخيال ص161_162.
[10] _ السحر بين الحقيقة والخيال ص162.
[11] _ انظر تفصيل ذلك في أحكام القرآن للجصاص 1/61_63، وأحكام القرآن لابن العربي 1/31، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/212، وشرح العقيدة الطحاوية ص598، و السحر بين الحقيقة والخيال للحمد ص163_171.
[12]_ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/63، والتفسير الكبير للرازي 3/215، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وشرح النووي على مسلم 14/176، و السحر بين الحقيقة والخيال للحمد ص166.
[13] _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/63، والتفسير الكبير للرازي 3/215_216.
[14] _ أحكام القرآن 2/48.
[15] _ السحر بين الحقيقة والخيال ص168.
[16] _ الشعوذة أو الشعبذة: لَعِبٌ بخفة يرى الإنسان منه الشيء بخلاف ما عليه أصله في رأي العين، أي يرى ما ليس له حقيقة. انظر لسان العرب مادة شعذ 5/29، والمصباح المنير للفيومي 1/337.
[17] _ الطّلسم: هو لفظ يوناني، وهو في علم السحر خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية؛ لجلب محبوب أو دفع أذى. انظر المعجم الوسيط مادة طلسم 2/568.
وقال محمد محمد جعفر: الطِّلسم: هو العمل الذي يقوم به الساحر بمساعدة الشيطان أو بناءً على أمره على الورق أو القماش أو المعدن أو الخشب أو الأحجار الكريمة أو المعجون _كالشمع والطين_ بشكل مخصوص في وقت مخصوص وبحجم وصورة معينة؛ لضرر نفر أو أكثر في شخصه أو ما يملكه... انظر كتاب السحر لمحمد محمد جعفر ص215.
[18] _ انظر حاشية ابن عابدين 4/240.
[19] _ تيسير العزيز الحميد ص384.
[20] _ انظر شرح منتهى الإرادات 3/394_395، وتيسير العزيز الحميد ص384.
[21] _ السحر بين الحقيقة والخيال ص171_172.
[22] _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/61_63، والتفسير الكبير للرازي 3/215، والكافي لابن قدامة 4/165، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/47، وشرح النووي على مسلم 14/176، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/212، وفتح الباري 10/224_236، وشرح منتهى الإرادات 3/390_395، و السحر بين الحقيقة والخيال للحمد ص172_173.
[23] _ انظر التفسير الكبير للرازي 3/215، والكافي 4/195_196، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/48، وتفسير القرآن العظيم 1/212، وشرح منتهى الإرادات 3/395، والسحر بين الحقيقة والخيال للحمد ص173.
[24] _ مسلم (537).
[25] _ مسلم (2230).
[26] _ المسند 2/429، والحاكم في المستدرك 1/7_8، وقال: (على شرطهما) وقال الذهبي: (إسناده قوي) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (4599).
[27] _ الأطم: الحصن، ومغالة: بطن من ا لأنصار. انظر الفتح 3/262.
[28] _ فرفضه: أي تركه وفي رواية (فرصَّه): أي ضغطه وضم بعضه إلى بعض .انظر الفتح 3/262.
[29] _ البخاري(1254) ومسلم(2930) .
[30] _ انظر التنجيم والمنجمون ص277_278.
[31] _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص178.
[32] _ شرح النووي على صحيح مسلم 5/22.
[33] _ انظر التنجيم والمنجون ص279.
[34] _ الحلوان: مصدر حَلَوْتُه حلواناً: إذا أعطيته، وأصله من الحلاوة؛ حيث شُبِّه بالشيء الحلو من جهة أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة ولا مشقة. انظر فتح الباري لابن حجر 4/427.
[35] _ البخاري (2237)، ومسلم (1567).
[36] _ مجموع الفتاوى 35/194_195.
[37] _ البخاري (3629).

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com