300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
العقيــــــدة والســنة  »  بين التوكل وفعل السبب (3-2)

 

بين التوكل وفعل السبب

2 - 3

بقلم : رائد بن حمد السليم

قسم السنة ، جامعة القصيم

                                                                                2 / 4 / 1430 هـ     

 

    الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

    تقدم في الحلقة الماضية بيان وسطية الإسلام في نظرته إلى أسباب الحياة المادية ، حيث لم يهوّن من شأنها ويحقر مُسْتَجْلِبَها وينقص من تصديقه ، بل اعتبرها من صميم الإيمان بالله وداخلة  في التصديق بربنا العظيم إذ هو سبحانه خالقها وموجدها والآذن لها بالتأثير، فمن عمل بها على مقتضى ذلك كان مؤمناً بالله مطيعاً لأمره .

    وهذا هو وسط الطرفين في هذه المسألة : طرفٌ ظن الاستغناء بالسبب عن التوكل ، فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل ، وأخل بواجب التوحيد .

    وطرفٌ أخذ يدخل في التوكل تاركاً لما أمر به من الأسباب ديانةً واعتقاداً أنها تنقص توكله ، فهو أيضاً جاهلٌ ظالم عاصٍ لله بترك ما أمره ، فإن فعل المأمور به عبادة لله .

    ونورد في هذه الحلقة حديثاً شريفاً ، تتجلى فيه أهمية الأخذ بالأسباب المادية ، وأنها مما أمر به الشرع المطهر ، ولا تَضِيْرُ في تَوَكّل العبد أو تنقصه إذا كان معتقداً أن تأثيرها بأمر الله وإذنه لا تستقل بنفع ولا ضر .

    فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ ، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ ، فَسَلَّمْتُ ، ثُمَّ قَعَدْتُ ، فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَتَدَاوَى ؟ فَقَالَ : تَدَاوَوْا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً ، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ .(1)

    من دلائل الحديث :

    1 - دل الحديث على الأمر بالتداوي ، وتعليل ذلك بأن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء 0

    2 - قوله صلى الله عليه وسلم في تعليل الأمر بالتداوي : ( فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء ) ومثله ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . (2)

    قال ابن القيم : " يجوز أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكل داء دواء ) على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها ، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ولم يجعل لهم إليه سبيلا ، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله .

    والثاني : أن يكون من العام المراد به الخاص ، ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ، فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء ، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد : ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) (3) ، أي كل شيء يقبل التدمير ومن شأن الريح أن تدمره ونظائره كثيرة .

    قال : والأول أحسن المحملين في الحديث .

    وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكل داء دواء ) تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه ، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه بروح الرجاء ، وبردت عنده حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء .

    وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه ، والتفتيش عليه.

    وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب وما جعل الله للقلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده فإن علمه صاحب الداء واستعمله وصادف داء قلبه أبرأه بإذن الله تعالى " . (4)

    3 - قوله صلى الله عليه وسلم : ( غير داء واحد الهرم ) قال الخطابي : " فيه أنه جعل الهرم داء ، وإنما هو ضعف الكبر ، وليس هو من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قِبَل اختلاف الطبائع وتغير الأمزجة , وإنما شبهه بالداء لأنه جالب التلف ، كالأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك ، وهذا كقول النمر بن تولب :

    ودعوت ربي بالسلامة جاهداً .... ليُصِحّني فإذا السلامةُ داءُ

    يريد : أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم ، فصار بمنزلة المريض الذي قد أدنفه الداء وأضعف قواه ، وكقول حميد بن ثور الهذلي :

    أرى بصري قد رابني بعد صحة ...وحسبك داءً أن تصح وتسلما ". (5)

    4 - دلّ الحديث على الأمر بالتداوي ، وقد أوجبه جماهير العلماء إذا كان به حفظ النفس من الهلكة المحققة ، قال ابن تيمية : " من التداوي ما هو واجب ، وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره ، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة ، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ، وقد قال مسروق : من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار" . (6)

    وتنازع العلماء في حكم التداوي فيما دون ذلك ، على أقوال أربعة  :

    الأول : أنّ ترك التداوي مباح ، بل هو فضيلة لمن قوي على الصبر ، وعلم من نفسه القدرة على ذلك ، واستدلوا بقصة المرأة السوداء التي كانت تصرع ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) (7) ، فقد دلّ هذا الحديث على جواز ترك المعالجة والتداوي ، قال ابن تيمية : "وأما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة ، وإنما أوجبه طائفة قليلة ، كما قاله بعض أصحاب الشافعى وأحمد ، بل قد تنازع العلماء أيما أفضل : التداوى أم الصبر ؛ للحديث الصحيح حديث ابن عباس عن الجارية التي كانت تصرع ، ولأن خلقاً من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون ، بل فيهم من اختار المرض ، كأبَيّ بن كعب ، وأبي ذر ، ومع هذا فلم يُنكَر عليهم ترك التداوي ".

    وقال في موضع آخر : " ومن نازع فيه [ أي في ضرورة التداوي ووجوبه ] خَصَمَتْه السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الصبر على البلاء ، ودخول الجنة ، وبين الدعاء بالعافية ، فاختارت البلاء والجنة ، ولو كان رفعُ المرض واجباً لم يكن للتخيير موضع ، ومثله اختياره الحمى لأهل قباء ، وخصمَه حالُ أنبياء الله المبتلين الصابرين على البلاء ، حين لم يتعاطوا الأسباب الدافعة له مثل أيوب عليه السلام ، وغيره ، وخصمَه حالُ السلف الصالح فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين قالوا له : ألا ندعو لك الطبيب ، قال : قد رآني ، قالوا : فما قال لك : قال : إني فعال لما أريد ، ومثل هذا ونحوه يروى عن الربيع بن خيثم المخبت المنيب ، الذي هو أفضل الكوفيين ، أو كأفضلهم ، وعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الهادي المهدي ، وخلق كثير لا يحصون عدداً ،    ولستُ أعلم سالفاً أوجب التداوي ، وإنما كان كثير من أهل الفضل والمعرفة يفضّل تركه تفضّلاً ، واختياراً لما اختار الله ، ورضي به ، وتسليماً له ، وهذا المنصوص عن أحمد ، وإن كان من أصحابه من يوجبه ، ومنهم من يستحبه ويرجحه كطريقة كثير من السلف استمساكا لما خلقه الله من الأسباب وجعله من سنته في عباده " . (8)

    وخلاصة هذا القول أنّ ترك التداوي مباح ، بل هو فضيلة لمن قوي على الصبر ، وعلم من نفسه القدرة على ذلك 0

    وليس معنى ذلك أنه لا يرقي نفسه بالرقى الشرعية ، والأوراد والتعاويذ ، بل ذلك مشروعٌ على كل حال .

    الثاني : استحباب التداوي ، قال به بعض أهل العلم ، للنصوص الواردة فيه ، كحديثنا هذا : ( تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء ، غير داء واحد الهرم ) ، ولهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أنه كان يَتَداوَى ويُدَاوِي ، وقد أطال في نصرة هذا القول ابنُ القيم رحمه الله تعالى .(9)

    وقال ابن الجوزي : "  أرى أن التداوي مندوب إليه ، للحديث الصحيح : ( ما أنزل الله داء إلا و أنزل له دواء فتداووا ) ومرتبة هذه اللفظة الأمر ، و الأمر إما أن يكون واجبا أو ندبا ، و لم يسبقه حظر فيقال : هو إباحة .

    وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : ( تعلمت الطب من كثرة أمراض رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما ينعت له ) (10) " .(11)

    الثالث : أنه يستحب التداوي للأحاديث المشهورة فيه ، وإن ترك التداوي توكّلاً فهو فضيلة ، قاله النووي . (12)

    الرابع : وجوب التداوي ، قال به بعض الحنابلة وبعض الشافعية ، وتمسكوا بالأمر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم : ( تداووا ) .

    هذا ما تيسر إيراده ، والله أعلم بالصواب ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

 

    (1) أخرجه أبو داود ( كتاب الطب ، باب في الحمية  ، 4 / 3 ) ح ( 3855 ) ، قال سفيان ابن عيينة : " ما على وجه الأرض اليوم إسنادٌ أجود من هذا " .    

    وقال الترمذي : حديثٌ حسن صحيح .

    وصححه ابن حبان والحاكم .

  ( 2 ) أخرجه مسلم ( كتاب السلام ، باب لكل داء دواء ) ح ( 2204 ) 0

    ( 3 ) سورة الأحقاف ، آية رقم (  25 ) 0  

    ( 4 ) زاد المعاد لابن القيم ( 4 / 12 ) باختصار 0

    ( 5 ) معالم السنن للخطابي (  5 / 346 ) 0

    ( 6 ) مجموع الفتاوى لابن تيمية ( 18 / 12 ) 0

    ( 7 ) أخرجه البخاري ( كتاب المرضى ، بَاب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنْ الرِّيحِ ) ح ( 5652 ) ، ومسلم ( كتاب البر والصلة ، بَاب ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ) ح ( 2576 ) من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم  0  

    ( 8 ) مجموع الفتاوى لابن تيمية ( 24 / 269 ) و ( 21 / 563 ) باختصار -  ، وينظر : زاد المعاد لابن القيم ( 4 / 70 ) ، المجموع شرح المهذّب للنووي (5 / 98 )0

    ( 9 ) ينظر : زاد المعاد لابن القيم ( 4 / 10 17 ) و ( 4 / 61 ) 0

    ( 10 ) قال الإمام أحمد : ( حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا مَكَّةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، قَالَ : كَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ لِعَائِشَةَ : يَا أُمَّتَاهُ لَا أَعْجَبُ مِنْ فَهْمِكِ ، أَقُولُ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ ، أَقُولُ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ وَمِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ ، كَيْفَ هُوَ ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ ، وَقَالَتْ : أَيْ عُرَيَّةُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ ، أَوْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ، فَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَتَنْعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتَ ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ ، فَمِنْ ثَمَّ ) مسند الإمام أحمد ( 7 / 99 ) ح ( 23859 ) 0

    ( 11 ) صيد الخاطر لابن الجوزي ( 99 ) باختصار 0

    ( 12 ) المجموع للنووي ( 5 / 98 )، وللاستزادة انظر : طرح التثريب ( 8 / 185 ) ، غذاء الألباب ( 1 / 457 ) 0

 

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com