300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
العقيـــــدة والقـــرآن  »  التفسير العقدي لجزء (عم) - سورة الطارق - المقطع الأول

 

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير العقدي لجزء عم

سورة الطارق

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)

هذه السورة، سورة (الطارق) سميت بهذا الاسم، لورود لفظ (الطارق) في مستهلها. وهي ذات مقاصد عقدية متعددة :

المقصد الأول: الإيمان بالبعث.

المقصد الثاني: الإيمان بالملائكة.

المقصد الثالث: الإيمان بالقرآن.

 (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) :استهل الله تعالى هذه السورة بالقسم، كما قال في أختها (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ). والسماء خلق عظيم، وصفها فيما مضى بأنها(ذات البروج). وهاهنا قرن ذكرهابــ(الطارق). والطرق في اللغة: الإتيان ليلاً. يقال: "طرق الرجل أهله" يعني أتاهم ليلاً. وفي الحديث: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلاً. رواه البخاري. وفي دعاء الاستعاذة : (ومن شر كل طارق، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن) رواه أحمد. فقد أقسم الله تعالى بالسماء، وما يطرق فيها, أي ما يأتي ليلاً, والذي يأتي ليلاً أمورٌ كثيرة، منها: ما فسر الله تعالى به هذه اللفظة، فقال : (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ,النَّجْمُ الثَّاقِبُ), لأنه يأتي ليلاً. وهذا قسم عظيم؛ لأن السماء عظيمة، وما خلق الله تعالى فيها عظيم! كما قال:( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ.وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)  [الواقعة : 75 ، 76]

(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ): ما أعلمك. وهذا الاستفهام إما أن يكون للتعظيم, وإما أن يكون للتشويق, أو لهما معاً وهذا أولى, أن يكون للتعظيم كما قال الله تعالى: (الْحَاقَّةُ, مَا الْحَاقَّةُ, وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ),(الْقَارِعَةُ,مَا الْقَارِعَةُ، وما أدراك ما القارعة). وقد يكون للتشويق، لكي يتهيأ الذهن لسماع الجواب، لاسيما أن الجواب حاضر.

(النَّجْمُ الثَّاقِبُ): هو كل كوكب مضيء متقد؛ وصفه بقوله: (الثاقب) لأنه يثقب الظلام بضوئه, فإذا نظرت إلى قبة السماء، في الليلة الظلماء، تجد أن هذه النجوم المتلألئة، أشبه بالثقوب، في هذه القبة السوداء. فلأنه ثقب ظلام السماء، سمي ثاقباً. وقيل: أن هذا الوصف يختص بنجم الثريا فقط ؛ وذلك لشدة لمعانها وتوهجها. والثريا: نجم معروف في السماء، بل هو في الحقيقة مجموعة نجوم ، أشبه ما تكون بعنقود العنب, مجتمع بعضها إلى بعض.

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ): (إن) مخففة من الثقيلة، اسمها محذوف تقديره "إنه"، وهي تفيد النفي. (لمّا عليها حافظ): هذه هي القراءة المشهورة (لمّا) بالتشديد، وهي بمعنى (إلاَّ). فيكون المعنى: ما من نفس إلا عليها حافظ. وجملة: (إن كل نفس لما عليها حافظ) جواب القسم. و(نفس) : نكرة في سياق النفي, والنكرة في سياق النفي تفيد العموم. والمقصود بالنفس: جنس نفوس بني آدم. وقرأت بالتخفيف: (لَمَا) وعلى هذا تكون "ما" مزيدة. والحافظ: هو الملك الذي يحفظ على تلك النفس أعمالها، من خير، أو شر، كما في قوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ.كِرَامًا كَاتِبِينَ). ويمكن القول إنه الملك الذي يحفظها، كما قال ربنا عز وجل: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ). فهؤلاء المعقبات، هم من ملائكة الرحمن، يحفظون الإنسان عما أراد الله تعالى أن يحفظه منه، فإذا جاء قدر الله، خلو بينه وبينه. فالحفظ يتناول حفظ الأعمال؛ بمعنى كتابتها، وضبطها, ويتناول أيضاً حفظ الإنسان من أن يقع عليه الأذى.

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ): (فلينظر): يحتمل أن يكون النظر الحسي؛ لأن المطلوب النظر إليه ممكن, وهو هذا المني الذي منه خلق. لكن الأقرب والله أعلم، أنه النظر العلمي، بمعنى: فليتأمل ويعتبر؛ لأن المنظور إليه معهود في الأذهان، لا يحتاج أن يذهب ليبصره، وهو الماء الدافق. (مِمَّ خُلِقَ): يعني من أي شيء خلق. وهذا شروع في إقامة الحجة على منكري البعث. ويمكن أن نفسر "الإنسان" في هذا الموضع بأنه المنكر للبعث، وإن كان يصلح المقام للاعتبار لكل أحد. فإن المؤمن لو تأمل في أصل خلقه لزاد بذلك إيماناً.

إنها مسافة هائلة بين هذه النطفة المذرة، التي لا تكاد ترى إلا بالمجاهر المكبرة، وبين الإنسان الكامل الخلقة! يتحول الحيوان المنوي، بعد أن يلقح البويضة الأنثوية، إلى خلية مخصبة، ثم تشرع هذه الخلية بالانقسام المتتالي، حتى تصبح نطفة، فعلقة، فمضغة، ثم يخلق الله عظاماً، ويكسو العظام لحماً. ويترقى هذا الخلق العجيب، حتى يخرج كائناً يدب على وجه الأرض! لا ريب أن هذا من دواعي زيادة الإيمان. فلهذا يصلح أن يكون الخطاب موجهاً للإنسان الكافر، المنكر للبعث، لإقامة الحجة عليه في إثبات البعث. ويصلح أن يكون دعوة عامة للتفكر في عظيم خلق الله عز وجل.

فَلْيَنْظُرِ الإنسان الكافر المنكر للبعث الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواجهه في مكة، من كفار قريش، (مِمَّ خُلِقَ) ؟ يأتي الجواب مباشراً، لأن الجواب محل تسليم من الجميع، لا أحد ينكره: (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ). وهم مقرُّون أن الله تعالى خالقه. والماء الدافق هو المني. وسمي دافقاً لكونه ذا اندفاق، واندفاع. وهذا مما يميز هذا الماء العجيب، أنه يخرج دفقاً بلذة , ليبلغ محله.

(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ): الصلب: على قول جمهور المفسرين، هو فقار الرجل، يعني عموده الفقري، أي ظهره. والترائب: على قول جمهور المفسرين، هي عظام الصدر من المرأة. و عبر بعضهم بأنها موضع القلادة. فدلت الآية على أنه يخرج من بينهما، ولا يلزم من هذا أن يكون خارجاً من ذات العظم، عظم الظهر، أو أضلاع الصدر. وذهب بعض المفسرين  إلى أن الترائب هي أطراف الرجل، يعني يديه ورجليه ولا تتعلق بالمرأة، لأن الماء إنما يخرج دفقاً من الرجل. فكأن هذا الماء الذي يخرج من الرجل يستل من جميع جسمه؛ من فقاره، وأطرافه, ولا شك أن العلم الحديث قد يساعد في إيضاح هذا المعنى، وقد لا يبلغ العلم الحديث التفاصيل الدقيقة في دلالة الآية, لكن المعلوم لدى المشتغلين بعلم وظائف الأعضاء، المسمى بـ(الفسيولوجي) أن هذا الماء يتكون في الخصيتين, ثم تتجمع في موضع معين. وأما الأنثى فإنها يتكون ماؤها في المبيضين، فيتم إنضاج البويضة، فتنزل من مبايض المرأة إلى الرحم، عبر قناة فالوب، مرة في الشهر. ومن حكيم صنع الله عز وجل، أن جدار الرحم يتهيأ بإذن الله تعالى لاستقبال الحمل المتوقع، فتهبط هذه البويضة، وقد امتلأ جدار الرحم بالشعيرات الدموية، وصار ثخيناً, فإن قدر خلال ثمان وأربعين ساعة أن يقع لقاء بين الزوجين، ويلتقي ماء الرجل الذي يحمل الحيوانات المنوية، مع البويضة، في رحم الأنثى، فإنه يسبق واحد من هذه الحيوانات المنوية إلى البويضة، فيقع التلقيح. فتنغرس تلك البويضة الملقحة في جدار الرحم، وتتغذى على ما اختزن في هذا الجدار من الأوعية الدموية، وتتوالى الانقسامات الخلوية، حتى تكبر، وتعلق في جدار الرحم، فتسمى علقة, ثم تمر ببقية المراحل، كما هو معروف في علم الأجنة. كل هذا بتقدير دقيق، وحكمة بالغة. ومن العجيب أن هذه البويضة، تحمل المورثات الجينية، من الأنثى كما إن الحيوان المنوي يحمل المورثات الجينية من الذكر. ومعلوم أن كل خلية بشرية تحتوي ستة وأربعين مورِّثاً "جين"، إلا الخلية المنوية، فإنها تحتوي نصف العدد، فقط. فينحدر من المبايض بويضة تحمل ثلاثة وعشرين مورثاً, ويقذف الذكر حيواناً منوياَ يحمل ثلاثة وعشرين مورِّثاً، فيصبح المجموع ست وأربعون. هذه الخلية الجديدة، هي (الأمشاج) كما قال ربنا عز وجل: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) والأمشاج تعني الأخلاط، لكونها خليطاً من ماء المرأة، ماء الرجل، فيقع الشبه كما يريد الله عز وجل.

هذه العملية التي يلفت الله الانتباه إليها لا يبصرها الغافلون. إن الناظر بعين البصيرة، ولو كان عامياً، أمياً، لا يقرأ، ولا يكتب، لو أمعن النظر، لاعتبر في هذا الماء الذي يقذف في الأرحام، كيف يؤول إلى إنسان سوي، حي، سميع، بصير. هذه المسافة بين هذا الماء الذي تشمئز منه النفوس، وهذا الخلق الإنساني السوي، من دواعي النظر، الذي يوجب للإنسان إجلال الخالق، وطأطأة الرأس خضعاناً له سبحانه وبحمده. ثم لا ينقضي العجب كيف ينكر هذا الإنسان البعث! أبعد هذا المشهد العجيب، يا معشر المشركين، تقولون: (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) .

(إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ): يعني الذي خلق هذا الإنسان، وكونه على هذه الصفة قادر أن يعيد خلقه مرة أخرى يوم القيامة. فهذا من أعظم دلائل البعث,ومرجع الضمير في قوله (إِنَّهُ) إلى الرب سبحانه وتعالى,ومرجع الضمير في قوله: (عَلَى رَجْعِهِ) إلى الإنسان. هذا هو الأقرب. وقال بعض المفسرين: أن مرجع الضمير في قوله:     (عَلَى رَجْعِهِ) أي إلى الماء, فيكون معنى (لَقَادِرٌ) : أنه قادر أن يعيد الماء إلى الموضع الذي خرج منه. يعني قادر أن يعيده إلى الإحليل، أو يعيده إلى الصلب، والترائب. ولا شك أن الله تعالى قادر على ذلك، لكن سياق الآيات يؤيد القول الأول، وهذا ما رجحه ابن جرير رحمه الله، لأن المقام مقام إثبات البعث, ولأن هذا الأمر، مما لم يوقعه الله عز وجل، وهو إعادة هذا الماء في الإحليل، أو إلى الصلب أو الترائب. فلا وجه للإتيان بالجملة المؤكدة هاهنا.

الفوائد المستنبطة

الفائدة الأولى: إقسام الله تعالى بمخلوقاته. (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ).

الفائدة الثانية:كمال رقابة الله، وحفظه لبني آدم

الفائدة الثالثة: إثبات الملائكة الكرام، وبيان بعض أعمالهم, كالحفظ.

الفائدة الرابعة: بيان دليل من دلائل البعث، وهو أن القادر على الخلق قادر على الإعادة. كما قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) فهو دليل عقلي، حسي، على إمكانية البعث.

 

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com