300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
بـحـــوث ودراســــات  »  الأحكام الشرعية بين وسائل الإعلام والإسلام

 

الأحكام الشرعية بين وسائل الإعلام والإسلام

 

الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عبد الله ورسوله، أمَّا بعد:

 

فلا يزال الإسلام وأهله، وأحكامه وشرائعه، يتلقَّون ضربات وافتراءات من قِبَل مَن لا يرقبون في الإسلام وشرائعه إلاًّ ولا ذمَّة، ولا إيمانًا ولا عهدًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].

 

وإنَّ من شر البليَّة اليوم ألاَّ يخوض في الإسلام وأصوله وثوابتِه أهل الكفر فحسْب، بل تعدَّى الأمر إلى أُناس يلبسون لباسنا، ويتكلَّمون بألسنتِنا، ويعيشون فيما بيننا، وينْتمون بهويَّتهم وعقيدتهم إلى دينِنا وشريعتِنا، ثمَّ هم يتلاعبون بهذا الدّين وأصوله وثوابته، ويُحاولون جهلاً منهم أو عمدًا التَّلاعُب والعبث بكثيرٍ من أحكامه وشرائعه، كما أنَّهم أبانوا من خِلال ذلك عن عوَرهم وخطئِهم، وقلَّة بضاعتهم ومعرفتهم بحقيقة الإسلام وأحكامه.

 

ومن ذلك وسائل الإعلام المرئي منها والمسموع، وكذلك المقروء منها، على حدٍّ سواء، حيث أبانتْ بعض هذه الوسائل عن كثيرٍ من أصْحاب الأهواء والبِدَع من جانب، وأصحاب التَّغْريب والتَّقليد الأعْمى والمنافقين من جانبٍ آخَر، وهُنا لنا عدَّة مَحاور نقِف معها سريعًا في بيان بعض صور الانحِراف الإعْلامي عن المنهج الصَّحيح السويّ:

 

أوَّلاً: صور خطيرة من انحراف وسائل الإعلام:

بالتَّأمُّل والبحث يقِف جزءٌ من هذه الوسائل الإعلاميَّة تحت المسمَّى الإسلامي، والرّسالة الإسلاميَّة الهادفة، ويقف البعض الآخر تحت أيّ مسمًّى آخَر، لكن المؤلم حقًّا أن يتمَّ في بعض برامجها التعرُّض لأحكام شرعيَّة ثابتة في كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإجْماع الأمَّة الإسلاميَّة، وذلك من خلال عدَّة صور ومَحاور، منها على سبيل البيان والمثال:

 

1- التَّهوين من وجود الخلافات الواضحة والصَّريحة بين بعض الفرق - المنتسبة للإسلام جملة لا تفصيلاً، ومحاولة إبرازها في ثوبٍ إسلامي صحيح، وأنَّها جزءٌ من المسلمين، ولا خلافَ بيْننا وبينهم.

 

وأوْضح مثال على ذلك الخلاف السنّي الشّيعي الإمامي على وجه أخصّ، حيث تلعب بعض وسائل الإعلام مثلَ هذا الدَّور، الخفي تارة والمعلن تارة أخرى بين الحين والحين، ويتذرَّع هؤلاء بأنَّ التَّعريف الصَّحيح بعقيدة الشّيعة وغيرهم كغلاة الصّوفيَّة وأقطابهم، يعود على الأمَّة الإسلاميَّة بالتَّقسيم والتفرّق والتشرذُم، وهذا - لعمر الله - عينُ الجهل، وقلَّة العلم، ولا حاجة لي هنا بذكر هذه الوسائل المرئيَّة والمسموعة وغيرها.

 

ولكن حسبي هنا أن أبين شيئًا من ذلك: فالشّيعة الأُوَل لربَّما يتأوَّل لهم بعض أهل العلم بحُسْن النَّوايا منهم، وسوء الفهم لنصوص الكتاب والسنَّة، إلاَّ أنَّ شيعة زمانِنا لا يتأوَّل لهم بذلك إلاَّ السوقة والجهلة منهم ومن عامَّتهم، أمَّا علماؤُهم وأئمَّتهم الَّذين يزعمون فيهم العِصْمة والرِّفعة والتنزُّه عن الصغائر والكبائر معًا، لربَّما لا يغتفر لهم ذلك.

 

فعوام الشّيعة وسوقتهم وجهَلتهم قد يتأوَّل لهم أهل العلم بحُسْن النَّوايا وعدم علمهم بما يشتمل عليه مذهب الشيعة الإماميَّة الَّذي ينتسبون إليه من كفرٍ بواح، أمَّا علماؤُهم وأئمَّتهم فكيف يتأوَّل لهم، وكيف يعذرون في إقامتهم على هذا الكفر ودعوتِهم إليه، بعد أن طفحتْ به كتُب علماء مذهبهم قديمًا وحديثًا وهم على علمٍ صحيح بما وقعوا فيه من التَّحريف والتَّأويل الباطل، بل وإنشاء النّصوص والأدلَّة المزعومة من كتُب أئمَّتهم وعلمائهم على صحَّة مذهبهم الباطل في جملته، وتكفيرهم وسبّهم لأصحاب النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضي الله عنهم جميعًا - وبل وتفسيراتهم الباطلة لنصوص الكتاب والسنَّة، بل والمناقضة لها أشدَّ التَّناقض في حقّ علي - رضي الله عنه - وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم جميعًا.

 

يقول نعمة الله الجزائري: "إنَّنا لا نَجتمع معهم - يقْصِد أهل السنَّة - على إلهٍ ولا على نبيٍّ ولا على إمام؛ وذلك أنَّهم يقولون: إنَّ ربَّهم هو الَّذي كان محمَّد نبيَّه، وخليفته من بعده أبو بكر.. ونحن نقول: إنَّ الربَّ الَّذي خلق خليفةَ نبيِّه أبا بكرٍ ليس ربَّنا، ولا ذلك النبيُّ نبيّنا"[1].

 

وكذلك قولهم بتحْريف القرآن، ولا أريد أن أنقل كثيرًا من كلامهم كما جاء في "الكافي" عن جعفر بن محمد الصَّادق قوله: "عندنا مصحف فاطمة - عليها السَّلام - وما يُدْريهم ما مصحف فاطمة؟! مصحف فيه مثل قرآنِكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنِكم حرف واحد"[2].

 

ويقول محمد باقر المجلسي: "إنَّ كثيرًا من الأخبار صريحة في نقْص القرآن وتغْييره، ومتواترة المعنى"[3].

 

وقال نعمة الله الجزائري: "الأخْبار مستفيضة بل مُتواتِرة، وتدلُّ بصريحِها على وقوع التَّحريف في القرآن كلامًا ومادَّةً وإعرابًا"[4].

 

ويقول الخميني: "لقد كان سهلاً عليهم - أي على الصحابة الكرام - أن يُخرجوا هذه الآيات من القرآن، ويتناولوا الكتاب السماويَّ بالتحريف، ويُسدِلوا الستار على القرآن، ويُغيِّبوه عن أعين العالمين.. إنَّ تهمة التَّحريف الَّتي يوجِّهها المسلمون إلى اليهود والنَّصارى، إنَّما ثبتتْ على الصَّحابة"[5].

 

وجاء في "فصل الكتاب" عن النوري الطبرسي أنَّ الصَّحابة ما صانوا أمانة القُرآن حتَّى أسقطوا آية الولاية من سورة الشرح، "ألَم نشرح لك صدرك"، وهي: "ورفعنا لكَ ذكرك، بعليٍّ صهرك".

 

ولكنَّ الأدهى من ذلك في الواقع المعاصر اليوم أن تتحوَّل الشّيعة من مذهب وفرقة تنتسب إلى الإسلام بما لديْها من أفكار ومعتقدات وأهواء، تتحوَّل إلى مذهب سياسي، له قواعده وأصوله وأفكاره ومناهجه، فمنذ نشْأة ما تسمَّى بثورة الخميني الخمسينيَّة لاجتياح العالَم الإسلامي وتشْييعه، والدَّولة الفارسيَّة تتفاخر بأنَّها فارسيَّة الأصل والنَّسب والمعتقد كذلك.

 

بل وتسعى كذلك بما تملك من مقدَّرات للتدخُّل الكبير المباشر وغير المباشر في شؤون المسلمين هنا وهنالك، ومُحاولات كثيرة من ذلك قد نشأتْ كهذا الحزب الذي يسمَّى بـ "حزب الله" وما هو بحزب لله، وكذلك تدخُّلهم في شؤون العراق.

 

بل ونصْب المحارق والمشانق لأهل السنَّة هناك، الواقع العراقي اليوم خير شاهد على ذلك، ولم يلبث الشّيعة أن سعَوا بِجهود خفيَّة تارة ومعلنة تارة لتشْييع العالم الإسلامي، وزيادة المدِّ الشِّيعي الماكر فيه، وعلى رأسِه بلاد الحرمَين ومهبط الوحْيَين السعوديَّة وأرض الكنانة مصر، ومحاولة استِرْجاع دولة العبيديّين والفاطميّين التي اجتاحت العالَم الإسلامي منذ قرون ليستْ بالبعيدة، وانتشارهم في البحرَين والكويت والإمارات وغيرها من الدُّول الإسلاميَّة والعربيَّة.

 

وممَّا يؤسف له حقًّا أن تفتح لهم بعض الدُّول وتتيح لهم الحركة والحرّيَّة تحت مسمَّى حرّيَّة الأفكار والمعتقدات، حتَّى إذا وقعت الكارثة وبان الخفي من المكْر والعبث، اضطرَّت باتِّخاذ الإجراءات اللازمة، وهذا لا ريب نوعٌ من العبث أيضًا بمعتقدات الأمَّة أن تسمح دول أهل السنَّة، أن يسبَّ أصحاب الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بل وزوجاته الطَّاهرات العفيفات، وأن يكفِّروا أعلام الأمَّة وأسيادها من أمثال الصّدّيق والفاروق وعثمان، ممَّن زكَّاهم القرآن وزكَّاهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأن تؤسَّس لهم المقارّ والمؤسَّسات تحت أسماء ومسمَّيات، فهذا كلّه ممَّا يؤسَف له حقًّا في بلاد تقرّ بالتَّوحيد وتوقِّر الصَّحابة وتقرأ القُرآن في حقِّهم.

 

لقد تحوَّل مسارهم إلى مطامع سياسيَّة وجغرافيَّة، إلى كونهم معتقدًا خبيثًا ماكرًا جمع من كلّ ملَّة ما يهوى، وخلط ما بين الإسلام واليهوديَّة تارة والنَّصرانية تارة أخرى والصوفيَّة وغيرها، كما جاء عند الكليني في "أصول الكافي" عن زرارة بن أعين: "ما عُبِدَ اللهُ بشيءٍ مثل البداء".

 

كما يروي عن أبي عبدالله زاعمًا أنَّه قال: "ما تنبَّأ نبيٌّ قطّ حتَّى يُقرَّ لله بخمْس: بالبداء والمشيئة والسّجود والعبوديَّة والطَّاعة"، وهذا البداء يعني أن يظهر الأمر بعد أن كان خافيًا، وفي هذا تنقُّص لجناب الله تعالى[6].

 

إنَّ الشّيعة خطر قادم ومكْرٌ داهم، إذا لم يتنبَّه له المسلمون عامَّة، وعلماء الأمَّة والدعاة وكذلك السَّاسة وأصحاب القرار خاصَّة، وإلاَّ إن كنَّا نتخوَّف من الخطر الصهْيوني اليهودي والخطر الغربي الصَّليبي فأقول: إنَّ الخطر الشّيعي هو الخطَر والخندق الحقيقيّ القريب إليْنا؛ لأنَّه يلبس لنا عباءة الإسلام والتديُّن المزعوم، ولأنَّ كثيرًا من النَّاس من اليسير جدًّا أن ينخدع بدعاوى محبَّة أهل البيت والتغنِّي بذلك، فإذا به في شراك القوم وهو لا يدْري.

 

وهذا الدَّور يمارسه بعض وسائل الإعلام، حيثُ الدَّسّ والتَّدليس والتَّأويل الَّذي لا محلَّ له مِن الشَّريعة الإسلاميَّة.

 

ثمَّ تنادي هذه الوسائل بالتَّقريب بيْننا وبين الشّيعة، كما تنادي تمامًا بالتَّقارُب بين الأديان، ولست أدْري ما هي صورة التَّقارُب المثلى التي يسعَون إليها حثيثًا، وأيّ نتائج سيجمعون منها؟!

 

2- التَّلاعب بأحْكام الشَّريعة الإسلاميَّة وثوابتها، وذلك من خلال ما يسمَّى بالاستِطلاعات على المواضيع ومناقشتها، وهذا من أخطر صور الانحِراف المعاصر، فيتمّ عرْض موضوع من موْضوعات الشَّريعة الإسلاميَّة كغيرِه من الموضوعات، ليتمَّ الاستِفْتاء والاستطلاع عليه، وجمع آراء مَن يفقه شيئًا مِن الإسلام ومن لا يفقه، ومَن يَعلم ومَن لا يعلم، ومِن ذلك:

مناقشة حدّ الرّدَّة في الإسلام، وهل يتعارض مع الحرّيَّات الدينيَّة أم لا؟ وهل تُوافق برأْيِك - لا بحُكْم الإسلام طبعًا - على تطْبيقه أم لا توافق؟

تطْبيق الشَّريعة الإسلاميَّة وأنظِمة الحكم الإسلامي في القوانين، هل تؤيد ذلك أم لا تؤيد؟

الحجاب الشَّرعي على المرأة المسلمة، هل تؤيده أم لا؟ وهل يشكّل الحجاب عائقًا على المرأة وعملها أم لا؟ شارك برأيك.

عمل المرأة المسلمة لغير ضرورة - يعني على إطلاقه - هل تؤيِّد ذلك أم لا؟

الختان للإناث، هل هو ضرَر لها؟ هل تؤيده أم لا؟

الاختِلاط بين الرّجال والنّساء في الجامعات والمنتديات والتجمُّعات والإعلام والعمل، هل تؤيده أم لا؟

حظْر المشروبات الكحوليَّة - يعني في الإسلام الخمر وما قام مقامها من المسكرات والمفتّرات والمخدّرات - هل توافق وتؤيد الحظْر؟ هل أنت معه؟ أم مع عدَم الحظر وحرّيَّة الأفراد؟

 

كلّ هذه القضايا الشَّرعيَّة الكبيرة، تتعرَّض من بعض وسائل الإعلام المسمَّى زورًا إسلاميًّا، أو غير إسلامي، تتعرَّض إلى تلاعب وعبَث من هؤلاء، وهذه جريمة كبيرة، وانْحراف عن الصِّراط المستقيم، لماذا؟

لأنَّ هذه القضايا والأحكام جاءتْ بها الشَّريعة الإسلامية واضحة بيّنة، وما كان فيه خلاف واجتهاد معتبَر بأدلَّته بين أهل العلم فهو واضح وجليّ، فالحجاب جاء في الكتاب والسنَّة، وتحريم الخمور حرَّمه الله في كتابه، وحدُّها ثابت بالسنَّة النبويَّة، وكذلك حدّ الرّدَّة عن الإسلام، ولن أقف هنا مبينًا لها فهذا له مجاله.

 

وكذلك لأنَّ الإسلام ليس موضوعًا للاستبْيان والاستطلاع - حاشا شريعة الإسلام من ذلك - وليس موضوعًا للنقاش والحوار بين مَن يعلم ومَن لا يعلم، هل تؤيِّد أم لا، هل توافق أم لا؟ كلاَّ، كلا.. إنَّما الإسلام بالأصْل هو مرجع لكلّ نقاش وكلّ خلاف، كما قال تعالى مبينًا ذلك في كتابه: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 59].

 

ثمَّ إنَّ هذا تعدٍّ على حكم الله تعالى ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: {﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].

 

ثمَّ إنَّه طريق إلى الفتنة والخروج عن منهج الله تعالى ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

 

فإذا قام الإعلام - وأعني القائمين على أمره - بِجعل هذه القضايا والمحاور والثَّوابت موضوعًا لآراء وعقول النَّاس، فقد وقع في منزلق خطير، وانحراف جارف، يأخذ أصحابه إلى الهاوية، وما أدراك ما هيه، نار حامية!

 

لأنَّه لا يحلّ لمسلم أن يناقش ويجادل الله في حكمه وشريعته؛ لأنَّ هذا طريق الكفر والضَّلال؛ ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

 

وهو أيضًا يتعارض مع صحيح الإيمان بالله ورسوله؛ ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

ثانيًا: صور خطيرة من انحراف المسلمين.

ثمَّ بالوقوف مع أمثِلة هذه النَّوعيَّة الخطيرة من البرامج والموضوعات، وما يتمّ فيها من أخذ عيّنات من الاستِبْيانات والاستطلاعات، وأصوات الجماهير من هنا وهنالك، يظهر لنا عدَّة أمور خطيرة كذلك، منها:

1- ضحالة الثَّقافة الإسلاميَّة عند المسلمين:

لأن المتابع البصير يرى من هؤلاء مَن لا يعلم حكم الله ورسوله، أو حكم الإسلام الصَّحيح في الموضوع الذي يسأل عنه، فكثيرٌ من هؤلاء لا يعلم حكم الإسلام الشَّرعي في الحجاب، وأنَّه فرض عين على كلّ مسلِمة بالغة مكلَّفة، ويُلْزمها بذلك ولِي أمرِها والقائم عليها من أبٍ وأمٍّ وزوج ونحو ذلك.

 

ومنهم مَن لا يعلم حُكْم الإسلام الشَّرعي في حدّ الرّدَّة على المرتدّ عن الإسلام، وأنَّه القتل، ويقيمه وليُّ الأمر أو مَن ينوب عنه؛ كما جاء الحديث الصَّحيح الثَّابت: ((مَن بدَّل دينَه فاقتلوه)).

 

ومنهم مَن لا يَعلم حكم شرب الخمور والمسكرات وما شابَهها، وأنَّها من أشدِّ المحرَّمات في شريعة الإسلام، فلا يحلّ لمسلم شربها أو بيعها، أو تقديمها للسَّائحين، وإن جرت بعض المنافع الزَّائلة؛ كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219].

 

كما أنَّ من المسلمين مَن لا يعرف الفرق بين السنَّة والشِّيعة والشّيوعيَّة، ولا الفرق بين الصوفيَّة والأشعريَّة وأهل السنَّة.

 

2- النَّظر إلى عرَض الدنيا الفاني الزائل:

كما قال تعالى: ﴿ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران: 152]، وإن كانت هذه الآية تخاطب الصَّحابة بأنَّ منهم مَن يريد الدنيا ومنهم مَن يريد الآخرة، مع أنَّ قلَّة قليلة منهم أرادت الدنيا إرادة عارضة سرعان ما رجعتْ إلى أصلها من حبّ الآخرة وإيثارها على الدنيا، فما بالكم بِحال المسلمين اليوم وقد أصبح الأصْل فيهم - إلاَّ مَن رحم الله - هو حبّ الدّنيا وإيثارها على الآخرة، فالبون حقًّا شاسع وبعيد!.

 

فترى من المسلمين الذي حينما يُسأل عن الاتّجار والبيع للخمور والمخدّرات، يقول بأنَّه لا مانع - عنده بالطَّبع - من بيعها والتّجارة فيها خصوصًا للسَّائحين والغرباء؛ لأنَّها - على حدّ تعبيره - تنعش الاقتصاد الدولي للبلد، كما أنَّها تعطي صورة وانطباعًا للغرب بأنَّ بلاد المسلمين فيها أناس منفتِحون على الغير.

 

وينسى هذا وأمثاله أنَّ التّجارة بالخمر وإن كان فيها بعض الربح والكسب المادي الزَّائل؛ ولكنَّ إثْمها وخطرها وهلاكها أشدّ وأخطر على الفرْد والمجتمع بأسره، من حيث الكسبُ الحرام، وصرف المال في غير حلّه، والطَّريق إلى الوقوع في الفاحشة والزّنا، وتضْييع الأبناء، ومحْق البركة، وجلْب أمراض يصعب الشِّفاء منها بدون شقّ الأنفس أو الموت، وغير ذلك من المفاسد والمهلكات؛ كما قال تعالى في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، وكما جاء في الحديث عند الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كلّ أفق, كما تداعى الأكلة على قصعتها)), قلنا: يا رسول الله، أمِن قلَّة منَّا يومئذ؟ قال: ((أنتم يومئذ كثير, ولكنَّكم غثاء كغثاء السيل, تنزع المهابة من قلوب عدوِّكم, ويجعل الوهن)), قالوا: وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهة الموت)).

 

وقِسْ على ذلك بيْع الدُّخان وبيع الخنزير وقد حرَّمه الله تعالى في كتابه، ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سنته.

 

ويؤسف القلب، ويحزن النَّفس، أنَّهم يقدّمون لهؤلاء القادمين من غير بلاد الإسلام والتَّوحيد، يقدّمون لهم الخمْر والمَعازف والمسكرات، وإن شئت قلت في حياء وخجل: ويقدمون أيضًا صورًا من الدّعارة والزنا والفواحش، ولا حوْل ولا قوَّة إلاَّ بالله.

 

وكان الواجب عليهم أن يقدِّموا لهم الإسلام وشريعته الغرَّاء، ويقدّموا لهم القرآن الخالد المعجز من عند الله، ويقدِّموا لهم المثل الأعلى للأخلاق الإسلاميَّة والقيم العليا، ويقدِّموا لهم أعظم شخصيَّة عرفها التَّاريخ كلُّه؛ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأخلاقه وآدابه، وشريعته وسنَّته، وصبره وجهاده.

 

يقدِّموا لهم طوق النَّجاة في الدنيا والآخرة، ويبيِّنوا لهم طريق الهداية والإيمان، ويعرفوهم بالله وأسمائه وصفاته، ودينه ومنهجه؛ لأنَّنا أمة الإجابة وهم أمَّة الدعوة.

 

كان عليهم أن يقيموا لهؤلاء القادمين من بعيدٍ أو قريبٍ المؤتمرات والنَّدوات الَّتي يعرفون منها طريق الإيمان بالله ورسوله، وطريق السَّعادة في الدَّارين، وينشروا لهم صحيفة أو كتبًا تبين لهم حقيقة هذا الدّين العظيم.

 

3- التقليد الأعمى للغرب وأذنابهم:

حيث نجد كثيرًا من هؤلاء لا يشغله عبادة الله تعالى، ولا يهمّه أمر دينِه وقيمه وأخلاقه، ولا يعبأ بآخرته وحسابه أمام الله - تعالى - في يوم الحساب الحقّ، إنَّما شغله وهمُّه كلّه في الظهور أمام الغير من المستغْربين والغرب أنَّه انفتاحي العصر، مروني السّلوك، عقلاني النَّظرة، لا يعارض الغير وإن كان كافرًا، ويقلِّده وإن كان ملحدًا أو مشركًا، ولا حوْل ولا قوَّة إلاَّ بالله! وهذا عين ما قالَه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث عن أبي سعيد الخدْري - رضِي الله عنْه - علم من أعلام نبوَّة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يبيِّن فيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حال كثيرٍ من هذه الأمَّة في اتِّباعهم سبيل غير المؤمنين، ومشابَهتهم لأهل الكتاب من اليهود والنَّصارى، حيث جاء في روايات الحديث: قلنا: يا رسول الله، اليهود والنَّصارى؟ قال: ((فمن؟))، وهذا التَّشبيه في المتابعة: ((شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراع))، وفي رواية: ((حذو القذة بالقذة)) كناية عن شدَّة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا الكفْر.

 

والقُذَّة بالضَّمّ هي ريش السَّهم، وهو دالّ على كمال المتابعة، ثمَّ إنَّ هذا اللَّفظ خبر معناه النَّهي عن اتِّباعهم، وعن الالتفات إلى غير الإسلام؛ لأنَّ نوره قد بهر الأنوار، وشرعته نسخت الشَّرائع، وقوله: ((حتَّى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه)) مبالغة في الاتّباع لهم، فإذا اقتصروا في الَّذي ابتدعوه فستقْتصِرون، وإن بسطوا فستبْسطون حتَّى لو بلغوا إلى غاية لبلغتموها.

 

4- اتّباع الهوى:

 فكثير من هؤلاء أيضًا يقع في جلّ هذا المخالفات الشَّرعيَّة، لاتّباعه لهواه فحسب، ولإرضاء شهواتِه ونزواته ورغباته، فلو تطلَّبت شهوته التخلّي عن دينه لفعل، ولا حجْر عليه ولا حرج، وإذا أراد زوجتَه سافرة عارية فلا حرج ولا عيب، وإذا أراد شرب المسكرات والمحرَّمات فلا حرج ولا عيب.

 

وقد لا يفعل ذلك لكنَّه يُفتي به لغيره، من أصحاب السلطان والقرار، لينال بذلك عرَضًا من الدّنيا الفانية، ويبيع دينه لهواه ومبتغاه في غير حقّ ولا دين، وقد جاءت آيات القرآن تبيِّن وتحذِّر من هذا المسلك المذْموم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].

 

ثالثًا: وجوب العودة الصحيحة للكتاب والسنة.

وبعد هذا العَرْض لبعض صور الانحراف التي وقفتُ معها من خلال وسائل الإعلام أقول: يجب على وسائل الإعلام والقائمين بأمرِها، وعلى كلِّ مسلم ومسلمة، أن يعلم علم اليقين، أنَّه لا يجوز التعرُّض لأحكام الشَّريعة الإسلاميَّة بغير علم ولا هدى ولا بصيرة، ولا يتكلَّم في ذلك إلاَّ أصحاب العلم الرَّاسخ، والفهم الصحيح للكتاب والسنَّة، كما يجب اتّباع الكتاب والسنَّة اتباعًا شرعيًّا صحيحًا، دون انحراف أو التِواء عن الصِّراط المستقيم، ولنعلم أنَّه لن يصلح آخر هذه الأمَّة إلاَّ بما صلح به أوَّلها، كما قال الإمام مالك، فلْنُسْرع الخُطا بالعودة إلى القرآن والسنَّة، وإلى الاستجابة لأحكامِها؛ فإنَّ فيهما الخير والهداية لنا إنْ أردْنا ذلك.

 

إنَّ الكتاب والسنَّة أصلان كبيرانِ لهذا الدّين؛ لأنَّهما ركن من أركان الإيمان، فمَن كفر بالكتاب أو بالسنَّة فقد كفر بالإسلام كلّه, فعلى كلّ مسلم أن يؤمِن بالكتاب والسنَّة، وأن يعظِّمهما ويجلَّهما ويخدمهما، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

 

كما أنَّه يَجب على كلِّ مسلم الإذعان لله ورسوله، والاعتِقاد بوجوب التِزام الكتاب والسنَّة، ووجوب متابعة النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما قال تعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

ومن هنا، فإنَّ الواجب على المسلم - رجُلاً كان أو امرأة - أن يعْلم العِلْم اليقينيَّ بوجوب أن يتقيَّد في كلِّ حركةٍ من حركاته، وسكنة من سكناتِه، ونفَس من أنفاسِه - بالكتاب والسنَّة الَّتي جاء بها النَّبي المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم.

 

وقد حضَّت نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسنَّة على وجوب الالتِزام بهما، فمن آيات القرآن في ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ﴾[النساء: 59].

2- وقوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7].

3- وقوله سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 32].

4- وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَع رِضْوَانَهُ سُبُل السَّلاَمِ ﴾[المائدة: 15، 16].

5- وقوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، قال الحسن: "تدبُّر آياته: اتّباعه والعمل بعلمه".

 

أمَّا عن نصوص السنَّة النبويَّة، فمن ذلك ما يلي:

1- روي البخاري عن ابنِ مسعود - رضِي الله عنْه - قال: ((أحسَن الحديث كتاب الله, وأحسن الهدْي هدي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرّ الأمور محدثاتُها, وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعْجزين)).

 

2- وروى الترمذي عن المقدام بن معدي كَرب رفعَه: ((ألا هل عسى رجُل يبلغه الحديث عني, وهو متَّكئ على أريكتِه فيقول: بيننا وبيْنكم كتاب الله, فما وجدْنا فيه حلالاً استحللناه, وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه, وإنَّ ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله)).

ولأبي داود: ((ألا وإنِّي أُوتيت الكتاب ومثلَه معه, ألا يُوشك رجلٌ شبعان على أريكتِه ...))، الحديث.

 

3- وفي خطبة النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في حجَّة الوداع حثَّ على التَّمسُّك بالكتاب والسنَّة حيث قال: ((وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمْتُم به فلن تضلُّوا أبدًا، أمرًا بيِّنًا، كتاب الله، وسنة نبيِّه))؛ رواه مالك، وذكر النّصوص في ذلك أمر يطولُ إيرادُه، فلنكتفِ بِما أردنا إيضاحَه وبيانه، والله المستعان.

 

إذًا؛ فالإسلام في البداية والنِّهاية هو التَّسليم للكتاب والسنَّة، والكتاب والسنَّة فيهما بيان كلِّ شيءٍ ممَّا يحتاجه المكلَّف؛ قال تعالى عن القُرآن: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89] وقال سبحانه وتَعالى: ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [يوسف: 11]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 44].

 

وذلك أنَّ القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة مشتملان على كلِّ ما يهمُّ النَّاس في معاشهم ومعادهم، عقيدة وعبادة وسلوكًا، على المستوى الفرْدي والجماعي، المحلِّي والعالمي، وذلك في شتَّى المجالات الثَّقافيَّة والاجتماعية والاقتصاديَّة، والسياسيَّة والحربيَّة وغيرها، وقد بيَّنَّا ذلك في كتاب "مجالات الدعوة في القرآن وأصولها" وفصَّلْنا النصوص القرآنيَّة الَّتي تدعو إلى شتى هذه المجالات الإنسانيَّة والعقائديَّة والتشريعيَّة والأخلاقيَّة، فليراجع في مكانه.

 

إذًا؛ فالقرآن والسنَّة تبيانٌ لكلّ شيء، وهذا التّبيان القرآني قد يكون بالنَّصّ والتَّصريح، وقد يكون بالإشارة والتَّلميح، وهذا الأمر ضمن للقرآن استمراريَّة العطاء للبشريَّة، وصلاحية الدّين الإسلامي لكلِّ زمان ومكان، فليس بعدَه دين يكمله أو ينسخه؛ كما قال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

خلاصة القول: أنَّ على وسائل الإعلام أن تُساهم في بناء إنسان الإسلام والحضارة القويمة، لا أن تُساهم في هدْم قيم وثوابت هذا الدِّين، عليها دورٌ كبير في بناء العقْل والثَّقافة الإسلامية، لا أن تهدِم القيم والأصول والثوابت، فليتَّق الله أهل الإعلام، وليساهموا في طوق النَّجاة للأمَّة الإسلاميَّة من جديد.

 ************************************

[1] الأنوار النعمانية: ج2 /287.

[2] الكافي: ج/ 1239.

[3] مرآة العقول: 253.

[4] الأنوار النعمانية: ج2 /357.

[5] كشف الأسرار: 114.

[6] أصول الكافي: ج/ 1146.

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com