} قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا {
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد.
أود في البداية أن أقدم اعتذاري الشديد للقراء الكرام عن توقف حلقات النافذة خلال الفترة الماضية وذلك بسبب بعض الظروف الشخصية وأسأل الله أن يوفقني لإكمال هذه المسيرة المباركة إنه على كل شيء قدير.
جرى في مقال سبق سرد مجموعة من القضايا المتعلقة بالخطاب الدعوي لنبي الله صالح u ومن ذلك ما يتعلق بالصفات الشخصية له r، وقد جاء في القصة مجموعة من الصفات له r كان بعضها مما بينه صالح u عن نفسه، وبعضها مما اعترف به القوم وأظهروه وسوف أعرض لذلك مفصلاً في هذا المقال.. أولاً: صفات بينها صالح u وذكرها بنفسه وهي:-
1- أنه على بينة من ربه كما قال تعالى } قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ { هود 63.
2- أن الله تعالى آتاه رحمة من عنده كما قال تعالى } وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً {.
3- الاعتراف بعجزه وضعفه أمام الله تعالى كما قال تعالى:
}فََمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ { .
4- أنه أبلغ رسالة الله ونصح لقومه } لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُم ْ{ الأعراف 79.
5- وصف نفسه بالأمانة } إِِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ { الشعراء 143.
6- أنه لا يريد أجراً على دعوته } وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ { ويستفاد من هذه الآيات في الدعوة ما يلي:
أ- جمعت هذه الآيات بين الصراحة والوضوح } عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ { ،
} إِِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ {،
} لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً { وبين التعلق بالله وإظهار العجز أمام قوته } فََمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ { أن الداعية والمربي محتاج إلى أن يظهر حرصه على المدعوين وأنه صادق في دعوتهم إلى الخير وهذا قد يكون فيه شيء من الحديث عن النفس في الظاهر وقد يدخل منه الشيطان على الداعية فتغرّه نفسه خصوصاً إذا كثر أتباعه ومحبوه أو كثر الناس من الثناء عليه والحل لذلك التعلق بالله والرجاء لما عنده والخوف من عقابه ، وهكذا كان صالح u مع أنه نبي معصوم مؤيد من الله فغيره من باب أولى أن يخاف على نفسه.
ب- صراحة الداعية في دعوته وعدم الغمغمة واللجوء إلى التلفيق والترقيع كما قال
صالح u } قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ { ، } َقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ { الأعراف 79
} قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ { الأعراف 73 } أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ { الشعراء 146- 152
ثانيا: ما اعترف به أعداءه المعارضين له:
لقد اعترف القوم المعرضون المعاندون لصالح u بشيء من أخلاقه الرفيعة فقالوا ما ذكره الله تعالى بقوله: } قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا { هود 62 أي قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع، وهذا شهادة منهم لنبيهم صالح أنه ما زال معروفاً بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وأنه من خيار قومه ولكنه لما جاءهم بهذا الأمر الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة قالوا هذه المقالة التي مضمونها أنك قد كنت كاملاً، والآن أخلفت ظننا فيك، وصرت بحالة لا يرجى منك خير، وذنبه ما قالوه عنه } أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا { السعدي "سورة هود"
وهذه المقالة تذكرنا بما كان لقريش من ثقة بحمد r وأمانته فلما أن دعاهم إلى ربوبية الله وحده تنكروا له كما تنكر قوم صالح وقالوا ساحر، وقالوا مفترٍ، ونسوا شهادتهم له وثقتهم فيه، إنها طبيعة واحدة ورواية واحدة تتكرر على مدى العصور والدهور . ( سيد قطب في ظلال القرآن )
أخي القارئ الكريم: إن المطلوب من الدعاة والمربين قبل وأثناء دعوتهم للناس أن يكونوا أصحاب خلق رفيع لأنهم بهذا يضيفون مكاسب لدعوتهم، بل لأنهم قبل ذلك يطبقون هذا الدين عملياً وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله r فقالت:
" كان خلقه القرآن "
إن الخلق الرفيع والسلوك الحسن كما أنه خلق الأنبياء والمرسلين والدعاة الصادقين فهو أيضاً مطلب مهم لعدة أمور منها:
· أن التأثير في الآخرين عن طريق الموعظة والأمر والنهي يظل محدوداً حيث يقف ظرف المتلقي وظرف الملقي ( الواعظ ) عائقاً دون التواصل الكامل، أما حين يكون المبدأ متمثلا في سلوك شخص فإن التأثير يتغلغل في نفوس الآخرين فيتأثرون ويتغيرون بطريقة خفية.
· إن طبيعة القيم تتأبى على القسر والإكراه فهي لا تفرض لكنها تجذب وقد استطاع الصحابة t وكثير من صالحي هذه الأمة من مجاهدين وعلماء وتجار وغيرهم من نشر المبادئ والأخلاق الإسلامية عن طريق السلوك العملي.
وقد أثبتت الوقائع الكثيرة سنة النبي r أن السلوك الحسن له أثره الحسن فهذا ثمامة بن أثال الحنفي يسلم بعد بقاءه في المدينة مربوطاً بسارية من سواري المسجد وذلك حين رأى أخلاق الصحابة مع نبيهم r ( البخاري- المغزي.159 ) والشواهد من السنة أكثر من تحصر في هذا المقال المختصر.
ومن الشواهد الحديثة ما جرى في إحدى الولايات الأمريكية حيث أسلمت أسر عديدة بسبب تطوع شاب مسلم بمساعدة امرأة عجوز على حمل سلتها إلى المنزل. (مقدمات النهوض بالعمل الدعوي ص135) وغير ذلك كثير.
.. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يوسف بن إبراهيم الزين
6/6/1430هـ