بسم الله الرحمن الرحيم
|
تعليق على تحذير هيلاري كلينتون للحكام العرب
|
على إثر الإنتفاضة التونسية
|
بقلم/ خالد المرسي
|
|
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
|
نقل موقع "مفكرة الإسلام" تحذيرات عدد من قيادات الغرب للحكومات العربية على إثر الانتفاضة التونسية، مفادها أن يعتبروا بما حدث ويُقللوا من استفزازهم واستذلالهم لشعوبهم.
|
ومما لفت نظري تعليق وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، والتي حذرت الحكام العرب من أنهم بحاجة لمكافحة الفساد، وضخ حياة جديدة في أنظمتهم السياسية الراكدة، وإلا جازفوا بخسارة المستقبل للإسلاميين"
|
|
ولي مع هذا التحذير وقفات.
|
لنعلم أولاً أن الحكومات الغربية الآن في هلع ورعب من الانتفاضة التونسية، وذلك لما سيترتب عليها - لو ظلت شعبية محضة دون تدخل وتأثير مضاد- من تحسن وضع الاسلام في هذا البلد، ومن تتابع مثل هذه الثورة في البلاد المجاورة المتشابهة مع تونس في الأحوال والظروف – كما هي عادة الثورات تتابع وتتوالى إن أجلا وإن عاجلا – إن لم تعتبر الدول المجاورة وتتعظ.
|
هذا كله يعني أن أصحاب النفوذ المتورطين في تنفيذ أجندة ومخططات الغرب في البلاد العربية، باتوا في خطر مما يهدد مصالح الغرب غير المشروعة في هذه البلاد، ولذلك فإن أغلب الحكومات في الدول العربية اليوم في هلع ورعب كذلك من هذه الإنتفاضة.
|
إذا علمنا هذا الكلام، أيقنا ولم نشك في صدق نصيحة وزيرة الخارجية، لكن صدقها في حدود قصدها المُراد الذي سأبينه بعد قليل.
|
|
وهي وإن كانت صادقة في إبداء النصيحة في حدود قصدها المحدودة، إلا أنها أخطأت النصيحة؛ لأنها لا تعلم سنة الله في الأمة المسلمة، هذه السنة المتمثلة في استحالة حدوث صلاح اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي، مع التنكر والرفض لتحكيم شرع الله.
|
نعم، إذا أصر الحكام العرب على تحكيم القوانين الوضعية بدل تحكيم شرع الله – تبارك وتعالى – لابد وأن يترتب على ذلك الغضب الالهي، فتفسد ولاتصلح أحوال البلاد والعباد. يقول الله تعالى ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) [سورة الكهف] أمره فرطا: أي لايستقيم، ولا ينتظم، وتفسد عليه أحواله ( سواء شعر أو لم يشعر )
|
وإذا كان الإعراض عن ذكر الله يتمثل في استبدال القوانين الوضعية بشرع الله، الذي فيه مصالح العباد والبلاد، لن يقتصر وقتها الفرط والفساد على شخص الحاكم فقط، بل سيتعداه الى العباد والبلاد، هكذا قال الله ومن أصدق من الله قيلا؟!
|
|
والمتابع لأخبار الدول العربية يعلم مصداق ذلك من الواقع على صعيد الجانب الدنيوي الذي لا يتعهد الحكام إلابحفظه وترقيته – دون غيره - في هذه البلاد ورغم هذا التعهد فإننا نجد كيف أن الأثرياء، وأصحاب النفوذ يجمعون الثروات فوق الثروات، على حساب كرامة وضرورات المستضعفين المساكين، وكثير من هذه الحوادث تُرتكب، ويُعرف الجناة فيها، وتقوم عليهم الأدلة، لكنهم يفلتون عادة من العقاب!
|
هذا، على أننا نعلم أن الوزيرة تقصد اصلاحًا لحدود معينة، تمنع هياج وانتفاضة الشعب، ولا تقصد إصلاحا يتعدى هذه الحدود، فإصلاحها التي تعنيه من جنس ( ذر الرماد في العيون ) أو من جنس إلقاء العظمة للكلب ليسكت.
|
|
وبيان ذلك: أننا نعلم يقينا من سنن الله الكونية ومن الواقع التاريخي أن الغرب يسعى في إبقاء تخلف الدول المسلمة عن دينها، الذي فيه عزها وشرفها وقوتها، نعم، يسعون لذلك بكل قوتهم، لأسباب كثيرة، من هذه الأسباب، حسدهم لنا على نعمة الاسلام، كما قال الله في كتابه: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) [البقرة: 109]
|
وهذا السبب بات حقيقة قائمة، ولا ينكرها الا جاهل أو مُغرض، حتى أن أحد كُتاب الحداثة الغربية من العرب الدكتور عبدالله الغذامي يقرر هذه الحقيقة فيقول:
|
(العقل البشري النسقي واحد، دعك من كون الغرب وصلو إلى القمر والقنبلة النووية وغيرها، يرجع أخيرًا إلى أن "بوش" يتصل بـ"جاك شيراك"، ويقول له يا شيراك: الحرب لازم تقوم، قال له: ليش؟ قال له: يكلمني الله مرتين، ويقول لي يا جورج إنتبه، يأجوج ومأجوج موجودين في بابل، وسينقضون على اسرائيل قريبًا، إذا لم تغزو العراق سيأتون! هذا رئيس أعظم دولة ديمقراطية علمانية ليبرالية! العقل واحد العقل البشري يا أخي واحد)
|
|
ومما يزيد الغرب الآن ضراوة في تعويقنا عن النهضة - في هذا العصر خاصة - أنه مما وصلت اليه مراكز الدراسات الغربية من حقائق راسخة مؤخرًا، في أن سر قوة المسلمين المادية في تمسكهم بصحيح اسلامهم، وهذا العصر خاصة الذي وصل الغرب فيه للنهضة المادية الكبرى، ولذا فهو يحتاج لكي يوفر احتياجات نهضته المادية الى أن يستولي على الموارد الطبيعية لدول العالم الثالث المتخلفة والغنية جدا بهذه الموارد، وقد يستولي بالقوة حينًا وبالاتفاقيات أو الصفقات المشبوهة أحيانا أخرى، وكذلك أيضا يحتاج الغرب الى احتضان العقول المسلمة المبدعة الفارة والمهاجرة اليه هربا من بلادها المتخلفة لكي يستغلهم في خدمة العلم الطبيعي التجريبي الذي يحتكره لنفسه رغم أنه مشاع انساني لا يجوز احتكاره
|
أو لكي تجد مساحات شاسعة بعيدة عنها من الأرض والبحر تدفن فيها النفايات السامة الناتجة عن نهضتها المادية التي لا تقف أبدًا، وهذه النفايات تدمر الحياة على سطح الأرض كلها وبالأخص حياة الدول المجاورة لمكان وجودها – تدميرا على المدى القريب والبعيد –، وهي تستغل فقر بعض دول العالم الثالث في ذلك فتعقد معها صفقات مشبوهة لتخزين نفاياتها في أرضها ومياهها مقابل ترضية مادية متواضعة ولأسباب وأغراض كثيرة غير ذلك فالأغراض الدنيوية لا تنتهي ولا تقف عند حد.
|
|
وها هو الغرب ما زال يُصدم الصدمات تلو الصدمات حينما يرى نتائج بذله وسعيه في النيل من تدين الشعوب المسلمة فإذا بكل جهودهم تضيع فجأة وترجع الشعوب متشوقة ومتلهفة الى العود الى دينها وها هو الجيل التونسي المعاصر الذي تربى في أجواء عالمانية تحارب الإسلام ها هو بعد إنتفاضته تظهر عليه علامات التلهف إلى التدين كما نقلت تقارير صحفية بعد يومين من سقوط الرئيس التونسي صوراً لمصلين في أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة قالت أنها لمسلمين يؤدون الصلاة جماعية لأول خراج المسجد منذ 50 عاماً ، كماذكرت بأن النساء خرجن لأول مرة يرتدين الحجاب ويمرن بجوار العسكر دون مضايقة ولأول مرة قامت قناة “تونس 7″ الرسمية، بقطع النشرة الإخبارية لبث الأذان !. الله أكبر.
|
|
نرجو أن يفهم حكامنا هذه السنة الكونية - الخاصة بالأمة المسلمة -، السابق ذكرها، ويوقنوا أن سنة الله جارية مجراها ولا بد. فلا فائدة ولانتيجة من مصادمة هذه السنة إلا الخراب الذي نراه في كل مكان .
|
والحمد لله رب العالمين.
|
|
|
|
|
|
|