300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
العقيــــــدة والســنة  »  بين الشؤم و إراحة النفس فيما لا طاقة لها به

 
بين الشؤم و إراحة النفس فيما لا طاقة لها به
* بقلم / د. رائد بن حمد السليم
 
 

الحمد لله وحده ، وصلى الله على من لا نبي بعده ، وبعد :

فقد نهى الإسلام عن أفعال الجاهلية المنافية للإيمان بالله تعالى ، ومنها الطِّيَرة ، وهي التَّشاؤُم بالشَّيء ، وأصلُه فيما يُقال : التّطير بالسَّوانح والبَوارِح من الطَّيْر والظباء وغَيرهما ، حيث يعتمدون على الطير ، فإذا خرج أحدهم لأمر ، فإن رأى الطير طار يمنة تيمّن به واستمرّ ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع ، وكان ذلك يَصُدّهم عن مَقاصِدِهم ، ومصالحهم ، فنفاه الشَّرْعُ ، وأبْطَله ونهى عنه ، وأخبرَ أنَّه ليس لذلك تأثيرٌ في جَلْب نفْعٍ أو دَفْع ضَرٍّ ، إذ النافع الضار هو الله وحده . (1)

وبما أن الشرع محكمٌ من لدن حكيم رحيم ، وأن الشريعة لا تأتي بالمشقة والعسر ، فقد ورد في السنة المطهرة مندوحةٌ لمن توالى عليه شرٌ من جهة ما أن يريح قلبه من هذا العناء ويبحث عن بديلٍ ومخرج ، ففي الأرض متسع وفي الدين فسحة ، وذلك درءاً للمفاسد المترتبة على البقاء الملزمِ على ما تكرهه النفوس .

ومما ورد في ذلك ما رواه أنس بن مالك ، قال : قال : رجل : يا رسول الله ، إنا كنا في دار كثير فيها عددنا ، وكثير فيها أموالنا ، فتحولنا إلى دار أخرى ، فقلّ فيها عددنا ، وقلت فيها أموالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذروها ذميمة . (2)

ففي هذا الحديث  أنّ رجلاً كان كثير المال والولد ، فكان من أمره أن انتقل إلى دارٍ أخرى ، فقلّ ماله ، وولده ، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً له بذلك ، شاكياً أمره إليه ؛ لِما عَلِم من رحمته صلى الله عليه وسلم وعطفه على أصحابه ، فكان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم له أن ينتقل من داره تلك إلى دارٍ أخرى غيرها .

فهل ذلك مستثنى من الطيرة المنهي عنها ؟ أو له تأويل آخر ؟ سيأتي بيان ذلك إن شاء الله في الفوائد .

    ما يؤخذ من الحديث

1.    جواز الإخبار بنَقْص الأموال والأنفس إذا كان على غير جهة التسخّط والجزع ، وإخبار الصحابي هنا لأجل المشورة فيما حلّ به .  

2.     وجّه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي بقوله : " ذروها ذميمة " ، أي مذمومة ، قال العلامة ابن القيم : " ليس هذا من الطيرة المنهي عنها ، وإنما أمرهم بالتحول عنها عند ما وقع في قلوبهم منها ؛ لمصلحتين ومنفعتين :

-  إحداهما : مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون ، ومنه مستوحشون ؛ لما لحقهم فيه  ونالهم ؛ ليتعجلوا الراحة مما داخلهم من الجزع في ذلك المكان والحزن والهلع ؛ لأن الله عز وجل قد جعل في غرائز الناس ، وتركيبهم استثقال ما نالهم الشر فيه ، وإن كان لا سبب له في ذلك ، ولأن الله عز وجل بعثه رحمة ولم يبعثه عذاباً ، وأرسله ميسراً ، ولم يرسله معسراً ، فكيف يأمرهم بالمقام في مكان قد أحزنهم المقام به ، واستوحشوا عنده ، لكثرة من فقدوه فيه لغير منفعته ولا طاعة ولا مزيد تقوى وهدى.

-  ثانيهما : أن طول مقامهم فيها بعد ما وصل إلى قلوبهم منها ما وصل قد يبعثهم ويدعوهم إلى التشاؤم والتطير فيوقعهم ذلك في مقارنة الشرك ... ". (3)

3.    وفي قوله " ذميمة " جواز وصفها بذلك ، وأن ذكرها بقبيح ما جرى فيها سائغ من غير أن يعتقد ذلك كائناً منها . (4) 

4.    سبق في التخريج ذكر الحديث الصحيح : " إنما الشؤم في ثلاثة : المرأة ، والفرس، والدار " ، ولأهل العلم تجاهه ثلاثة مسالك :

-  المسلَك الأول : الأخذ بظاهره ، فقد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة ، فيجعلها الله سبباً للضَرَر والهَلاَك ، فالتشاؤم بها جائز مستثنى من عموم النهي عن الطيرة .(5)

فقد سئل مالك بن أنس عن الشؤم في الفرس والدار ، فقال : " كم من دار سكنها ناس فهلكوا ، ثم سَكَنَها آخرون فهلكوا ، فهذا تفسيره فيما نرى ، والله أعلم "(6)

ونُسِب هذا القول إلى أبي سليمان الخطابي .(7)

-  المسلَك الثاني : إبطال صحة الحديث ، أو القول بنسخه .

وإبطال صحته مرويٌّ عن عائشة رضي الله عنها .(8)

وقد ذكر ابن القيم ، وابن حجر : أن قولها رضي الله عنها مرجوح ، وأن الحديث ثابتٌ من غير طريق أبي هريرة ، فقد رواه ابن عمر ، وجابر ، وسهل بن سعد الساعدي ، وأحاديثهم في الصّحيح . (9)

وذكر ابن عبد البر أنه يحتمل أن الحديث في أول الإسلام ، ثم نسخ .(10)

وردّه ابن حجر لأن النسخ لايثبت بالاحتمال ، مع إمكان الجمع . (11)

-  المسلَك الثالث : تأويله ، وعدم الأخذ بظاهره ، وقد اختلفوا في ذلك :

فمنهم من قال : هو إخبارٌ عما تعتقده الجاهلية .

وردّه ابن العربي ، والقرطبي .(12)

ومنهم من قال : هذه الأشياء الثلاثة يطول تعذيب القلب بها ، مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى ، والصحبية ، ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها ، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب . (13)

اختاره القاضي عياض ، ومال إليه القرطبي . (14)

ومنهم من قال : إضافة الرسول صلى الله عليه وسلم الشؤم إلى هذه الثلاثة مجاز واتساع ، أي قد يحصل مقارناً لها وعندها ، فهي من باب العادة والموافقة التي أجارها الله تعالى ، لا أنها هي في أنفسها مما يوجب الشؤم.

اختاره ابن العربي ، وأطال فيه ابن القيم ، ومال إليه ابن حجر .(15)

ومنهم من قال : الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها ، وتطيّر بها ، فيكون شؤمها عليه ، ومن توكّل على الله ، ولم يتشاءم ، ولم يتطير ، لم تكن مشؤمة عليه ،  وردّه ابن عبد البر . (16)

وقد تأوّل بعض العلماء مقولة مالك بن أنس الماضية ، فذكر ابن العربي أنه لم يرد إضافة الشؤم إلى الدار ، ولا تعليقه بها ، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها ، فيخرج المرء عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بباطل . (17)

قال ابن حجر : " وما أشار إليه ابن العربي من تأويل كلام مالك أولى ، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى ، والمراد بذلك حسم المادة ، وسد الذريعة ، لئلا يوافق شيء من ذلك القدر ، فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة ، فيقع فيما نهي عن اعتقاده "(18) .

    هذا ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

/* جامعة القصيم ، قسم السنة */

عنيزة 25/12/1429

 

( 1 ) انظر : النهاية لابن الأثير ( 3 / 152 ) ، شرح النووي على مسلم ( 14 / 314 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 10 / 262) .  

( 2 ) أخرجه أبو داود ( كتاب الطب ، باب في الطيرة ، 4 / 20 ) ح ( 3924 ) ، البخاري في الأدب المفرد ( 1 / 316 )  ، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ( 71 ) ، والبيهقي في سننه ( 8 / 140 )، وفي رواية ابن قتيبة : وهي ذميمة .

    ورجاله ثقات ، وإسناده متصل لولا تدليس عكرمة بن عمار اليمامي ، وقد عنعن ، وانفرد به عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، ولهذا – والله أعلم – قال أبو عبد الله البخاري : في إسناده نظر 0 ( الأدب المفرد 316 ) .

    وقد ورد  معنى الحديث من طرق أخرى ، منها :

    أولاً : عن عبد الله بن مسعود .

    أخرجه ابن عدي في الكامل ( 3 / 463 ) ، والبيهقي في الشعب ( 2 / 125) من طريق سكين بن عبد العزيز ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، بنحو حديث الباب .

    وفيه إبراهيم الهجري ، قال الذهبي : ضعف ، وقال ابن حجر : لين الحديث ، رفع موقوفات .

    الكامل لابن عدي 1 / 211 ، تهذيب الكمال 1 / 136 ، ميزان الاعتدال 1 / 65 ، الكاشف 1 / 225 ، التقريب 116 0

    ثانياً : عن أبي هريرة .

    أخرجه ابن عدي في الكامل ( 3 / 231 ) من طريق زمعة بن صالح ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، بنحوه .

    وفيه : زمعة بن صالح ، ضعيف 0 ( التقريب 340 ) ، وحديثه عن الزهري أشد ضعفاً. ( انظر : تهذيب الكمال 3 / 31 )

    وقد انفرد به عنه ؛ فلذا فالخبر منكر ، والله أعلم.

    الثالث : عن سهل بن حارثة.

    أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (  4 / 180 ) ، والطبراني في الكبير ( 6 / 104 ) من طريق يعقوب بن حميد ، عن أنس بن عياض ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن سهل بن حارثة الأنصاري ، بنحوه .

    وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب ، متكلم فيه ، وضعفه بعضهم 0 ( تهذيب الكمال 8 / 167) .

    وهو مرسل ، حيث لا تصح لسهل بن حارثة صحبة ، قاله ابن منده ، وكذا نفاها عنه غيره 0 ( انظر : الإصابة لابن حجر 3 / 137 ) .

    الرابع : عن عبد الله بن شداد بن الهاد .

    أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( 10 / 411 ) عن معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، مرسلاً ، بنحوه ، وزاد : فكيف نصنع بها يا رسول الله ؟  قال : تبيعونها ، أو تهبونها.

    قال ابن حجر : إسناده صحيح 0 ( فتح الباري 6 / 77 ) .

    الخامس : عن يحيى بن سعيد الأنصاري .

    أخرجه مالك في الموطأ ( كتاب الاستئذان ، باب ما يتقى من الشؤم ، 2 / 972 ) ح ( 23 ) عنه ، مرسلاً ، بنحوه .

    ومجموع ما ورد من حديث الباب ، وحديث عبد الله بن شداد بن الهاد ، ومرسل يحيى بن سعيد الأنصاري ، إذا ضُمّت قوّى بعضها بعضاً ، وتدل أن للحديث أصلاً ، والله أعلم .

    ومن أهل العلم من يستدل لبعض معنى حديث الباب بما أخرجه البخاري ( كتاب الجهاد ، باب ما يذكر من شؤم الفرس 2 / 320 ) ح ( 2858 ) ، ومسلم ( كتاب السلام ، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم ، 4 / 1747 ) ح ( 2225 ) من طريق الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إنما الشؤم في ثلاثة ، في الفرس ، والمرأة ، والدار  .

( 3 )  مفتاح دار السعادة لابن القيم ، باختصار ( 2 / 258 ) ، وانظر : معالم السنن للخطابي ( 5 / 381 ) ، التمهيد لابن عبد البر ( 16 / 211 ) ، القبس شرح الموطأ لابن العربي ( 3 / 1148 ) ، النهاية لابن الأثير ( 2 / 169 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 6 / 77 ) .

( 4 ) انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي ( 10 / 266 ) .

( 5 ) انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي ( 10 / 266 ) ، المفهم للقرطبي ( 5 / 629 ) ، شرح النووي على مسلم ( 14 / 316 ) ، مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 256 ) .

( 6 ) أخرجه أبو داود ( كتاب الطب ، باب في الطيرة ، 4 / 19) ح ( 3922 ) .

( 7 ) نسبه إليه النووي ، وابن القيم  0 ( انظر : معالم السنن للخطابي 5 / 380 ، شرح النووي على مسلم 14 / 319 ، مفتاح دار السعادة 2 / 255  ) ، وعزاه القرطبي ، وابن القيم ، وابن حجر إلى ابن قتيبة ، وكلامه في كتاب التأويل ظاهرٌ في إبطاله ، فالله أعلم 0 ( انظر : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة 71 ، المفهم للقرطبي 5 / 629 ، مفتاح دار السعادة لابن القيم 2 / 256 ، فتح الباري لابن حجر 6 / 76 ) .

( 8 ) أخرجه أحمد ( 7 / 343 ) ح ( 25503 ) من طريق قتادة ، عن أبي حسان ، قال : " دخل رجلان من بني عامر على عائشة ، فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الطيرة من الدار والمرأة والفرس  ، فغضبت ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض ، وقالت : والذي أنزل الفرقان على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، إنما قال : كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك " .

( 9 ) انظر : مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 254 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 6 / 76 ) .

( 10 ) انظر : التمهيد لابن عبدالبر ( 16 / 210 ) .

( 11 ) فتح الباري لابن حجر ( 6 / 77 ) .

( 12 ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر عن الناس بما كانوا يعتقدونه ، وإنما بعث ليعلم الناس ما يلزمهم أن يعلموه ويعتقدوه ، انظر : عارضة الأحوذي لابن العربي  ( 10 / 264 ) ، والمفهم للقرطبي ( 5 / 631 ) .

( 13 ) انظر : فتح الباري لابن حجر ( 6 / 77 ) .

( 14 ) انظر : المفهم للقرطبي ( 5 / 631 ) ، شرح النووي على مسلم ( 14 / 319 ) .

( 15 ) انظر : عارضة الأحوذي ( 10 / 266 ) ، مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 255 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 6 / 77 ) .

( 16 ) انظر : التمهيد لابن عبد البر ( 16 / 207 ) ، مفتاح دار السعادة ( 2 / 256) وقد توسع في هذا المبحث .

( 17 ) انظر : عارضة الأحوذي ( 10 / 266 ) .

( 18 ) فتح الباري لابن حجر ( 6 / 77 ) .

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com