300-208 1Z0-146 70-485 Microsoft 70-410 dumps 70-643
العقيدة والحياة
 
 
 
فهرس مكتبة المشير
 
أرشيف الدروس والدورات العلمية
 
 

 


     
العقيـــــدة والقـــرآن  »  وقفة عقدية في ظل آية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفة عقدية في ظل آية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعـد :

يقول الله تعالى في كتابه الكريم  : ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) التكوير: 29

هذه الآية العظيمة المحكمة يفصل بها الله تعالى بين كثير من المختلفين في مشيئة العبد واختياره، وتجيب عن تساؤل طالما طرحه كثير من الناس، ووقف بسطاؤهم أمامه حيارى، ألا وهو:

هل الإنسان مسير أم مخير ؟

وفي الحقيقة أن هناك ثمة أمور يكون للإنسان اختيار فيها وأخرى ليس له فيها اختيار؛ فأنت لا تختار عرقك وجنسك ولونك ، كما أنَّك لا تختار الحادث المفاجئ الذي يحصل لك ، ولا المصائب التي تنزل بك.

ولكنك تختار ما تأكل وما تشرب ومن تصاحب ، وتختار أن تصلي أولا تصلي وأن تنفق أولا تنفق، وكل الأفعال الصادرة منك في الغالب هي بمشيئتك واختيارك؛ فالصلاة والنفقة وإن كانتا عبادتين مطلوبتين من جهة الشرع، إلا أنَّ لك فيها اختيارا، ووجه اختيارك أنه باستطاعتك أن تفعلها أو لا تفعلها، أي باستطاعتك أن تطيع، وباستطاعتك أن لا تطيع !!  لأنها تحصل بقدرتك واختيارك الذين خلقهما الله لك وأودعهما فيك.

قال تعالى: ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) الشمس: 7-9 .

وقد يضع اللهُ العبد أحيانًا في ظروف تجعل الطاعات بالنسبة له أصعب، ولكنها ممكنة وليست مستحيلة، وهو يملك فعلها مع مكابدة بعض الصعاب، ويصبح الأجر المترتب عليها أعظم. وقد يضعه في ظروف تكون المعاصي بالنسبة له ملحة ودواعيها كثيرة، ودوافعها في نفسه قوية، ولكن حبس النفس عنها ممكن وليس مستحيلاً ولكنه أصعب، ومجاهدتها في تلك الحالة أشق وأجر الترك أعظم ، وفي المقابل قد يضع شخصًا آخراً في ظروف يكون فيها فعل الطاعة سهل وترك المعصية أسهل، ولكنه بالتأكيد لا يؤجر كالأول من حيث مشقة العمل والصبر عليه، وإن كان من الممكن أن يفوقه أجرًا بحسب ما يقوم في قلبه من معان إيمانية أخرى.

فهذا التفاوت موجود بين الناس بالإجمال، وكذلك هو موجود في الشخص نفسه،  فأنت ترى أن بعض الطاعات بالنسبة لك أسهل من غيرها وبعض المعاصي تركها أصعب!!

إذًا فمهمًا كنت فأنت قادر على أن تطيع وقادر على أن تعصي، ولكنك مختبَر بالفعل والترك ومبتلًى بحجم قوتك في اقتحام الصعاب والمكاره لأجل ربك، كما ورد في صحيح مسلم:( حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات)

فالله يختبرك ويبتليك على كل حال مصداقًا لما قال: ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا وهو العزيز الغفور ) الملك: ٢ . وذلك لتحسن في عبادتك وفق المعطيات والظروف التي أنت فيها أيًا كانت.

فسواء كان انقيادك شاقًا أو سهلاً فأنت مخير في تصرفاتك؛ إذ إنك تملك القدرة والإرادة اللتين تتم بهما طاعتك و كذلك معصيتك.

والواقع يشهد بوجود هذا الاختيار؛ فنحن نرى بعضنا يختار شيئًا من العبادات فيأتيها ويلتزمها، ويترك كثيرًا منها بحسب هواه، فنجده يصلي ويصوم ولكنه يتوانى عن إعفاء لحيته وتقصير ثوبه. إنَّ هذا التخير من العبد مذموم وليس له الحق فيه، قال تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الأحزاب: ٣٦  . إذ الأجدر بالمؤمن أن يأتي بالطاعات جميعها؛ لأنها بمجملها مطلوبة محبوبة عند الله تعالى، إلَّا أنَّ الله عز وجل قد ترك له الحرية والقدرة والاختيار في أن يفعل أو لا يفعل، ومع ذلك فإنَّه لا ينبغي له ولا يليق به أن يخالف ربه فيما يحب، أو يتأخر ليسأل نفسه أفعل أو لا أفعل، وإن خالف فهو يتحمل نتيجة مخالفته يوم القيامة، تمامًا كما تقول لشخص ما بإمكانك أن تشتمني ولكن ليس لك الحق في هذا، ولا ينبغي منك، وسيترتب على هذا عقوبتك!!

ولا يعني قولنا إن للعبد اختيارًا أنه لو أراد أمرًا ما ولم يرده الله أنه سيحصل!! بل سيقف ألف سبب في طريقه!!

فلا يلزم ليكون للعباد كامل الإرادة والاختيار أن لا يكون لله إرادة واختيار في فعل العبد !!

ولا يلزم حين نثبت للعبد مشيئة في بعض الأمور أن تُسلَب عن الله تعالى!!

بل العبد يريد ويختار، والله يريد ويختار، وقد يتفق المرادان، وقد يختلفان. ولن يكون عند الاختلاف إلا ما يريده الله!!

ولعلَّنا نمثِّل لهذا بمثال بسيط يقرب الصورة:

إنَّني حين أقول لطفلي الصغير: لا تأكل قطعة الحلوى هذه فإن أكلتها منعتك من الخروج معي. فذلك يعني أنِّي لم أحب منه أن يأكلها وأحببت منه أن ينفذ أمري، وتركت له الخيار في أن يفعل أو لا يفعل، ثم وقفت أرقب فعله.

إذًا أنا معه أمام حالتين:

إما أن يوافقني فيما أحب فيختار تركها.

أو أن يخالفني فيما أحب فيختار أكلها، ولي هنا تصرفان:

أقوم بمنعه. وهنا اختلف ما يريد أن يفعله هو من الأكل عن ما أريد أن أفعله أنا من المنع، فهو يريد أن يأكل وأنا أريد أن أمنع وستكون الغلبة في النهاية لي لأني أنا الأقوى ولا يعجزني منعه.

أن أدعه وما يريد وأنا كاره لفعله لكنني قد رتبت له عقوبة وهي الحرمان من الخروج معي.  وهنا اتفق ما يريد أن يفعله من الأكل مع ما أريد أن أفعله أنا من الترك وسيحصل أكله ليس فقط لأنه أراده ولكن أيضًا لأنني أنا أردت أن أتركه يأكل، ومع ذا فأكله لم يكن رغمًا عني، فزمام الأمور بيدي، وأنا بنفسي من خليت بينه وبين فعله الذي فعله بكامل إرادته و إرادتي التي هي حرمانه من الخروج معي لمصلحة في نظري حيث سيكون فيه تربيته وصلاحه.

ويقاس على هذا :

السرقة؛ فهي من كبائر الذنوب وقد رتب الله عليها حدًّا وهو قطع يد السارق.

وللعبد أمام حكم السرقة حالتان:

إما أن يوافق ربه فيما يحب، ويختار تركها.

أو يخالفه فيما يحب ويختار السرقة، فإن فعل فقد يتركه الله يقع في السرقة، وقد يمنعه لكونه هو الرب وهو الملك ولن يكون في ملكه إلا ما يريد. وفي هذه الحالة سيتمُّ أحد أمرين:

المنع؛ فإذا أراد الله منع العبد من أن يوقِع في كونه ما يكره فقد اختلف ما يريد أن يفعله العبد من السرقة، مع ما يريد الله أن يفعله من المنع، فهو يريد أن يسرق والله لا يريده أن يسرق ويريد أن يمنعه و في النهاية ستكون الغلبة لله لأنه الأقوى ولا يعجزه قهره.

وقد يدعه وما يريد وهو يكره فعله، لكنه قد رتب له عقوبة وهي الحد في الدنيا، أو العذاب يوم القيامة، وهنا اتفق ما يريد أن يفعله العبد من السرقة مع ما يريد أن يفعله الله بتركه له يسرق وعدم منعه من ذلك، وستحصل سرقته ليس فقط لأنه أرادها ولكن لأن الله أراد تركه وعدم منعه.  فهو لم يسرق إلا بإرادة الله لأن زمام الأمور بيده، وهو الذي خلق له قدرته واختياره وهو خالق السارق والسرقة والمسروق والمسروق منه، وهو بنفسه من خلى بين السارق وبين سرقته، والسارق هو الذي اختار سرقته بكامل إرادته وفعلها بكامل قدرته، وتمت السرقة بكامل إرادة الله تعالى وقوته كذلك لمصلحة يعلمها.

 

وهكذا يمكن أن يقاس على ماسبق جل الأمور الحياتية التي لا تتعلق بالشريعة.

فلو أراد زيد أن يبني بيتًا وأراد الله له ذلك فسيكون، ولو أراد زيد أن يبني بيتًا ولم يرد الله له ذلك فلن يكون، وهذا معلوم عند كثير من الناس.

وقد يجعل الله بناء البيت لزيد سهلاً من أسهل ما يكون، وقد يجعله شاقًا لكنه ليس مستحيلًا بل هو ممكن بمزيد من المشقة والمعاناة، وقد يأبى الله له ذلك فلا يتمكن مهما سعى ومهما بذل، وربما أصابه ببلية أخذت كل ماله أو عافيته.

إذًا من هذا نستخلص أن للعبد الاختيار في أن يفعل أو أن لا يفعل بعض الأمور، وللرب كذلك اختيار في أن يترك العبد يفعل أو أن لا يتركه يفعل. بل إن اختيار العبد ابتداءً لن يكون إلا بإرادة الله. وأنت تشاء والله يشاء و في النهاية لن يكون إلا ما يشاءه الله تعالى.

فالآية تثبت بكل بساطة ووضوح أن للعبد مشيئة وللرب مشيئة، لكن مشيئة العبد لا تستقل عن مشيئة الله تعالى.

فقوله تعالى: ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) تثبت المشيئة للعبد وقوله تعالى: ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) تثبت مشيئة الرب، كما أنَّها تثبت أن مشيئة العبد لا تنفك عن مشيئة الله تعالى؛ فإذا شاء العبد الاستقامة فإنها لن تكون إلا أن يشاء الله تعالى ذلك، سواء كانت استقامة عامة وشاملة أو كانت استقامة على بعض الأمور. وفي هذه الآية إثبات لمشيئة الله تعالى العامة والشاملة لأفعاله وأفعال عباده، فهو ملك ولن يكون في ملكه إلا ما يشاء حتى طاعة المطيع ومعصية العاصي . قال تعالى: ( والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ).   البقرة: ٢١٣ ومع ذلك نحن نعلم ( أن الله ليس بظلام للعبيد ) آل عمران: ١٨٢ فإن الله تعالى لن يمنع عبدًا من طاعة إلا لحكمة!! فإذا كان الله سبحانه يجزي من همَّ بها ولم يعملها على نيته  فكيف لو أرادها صادقًا وحال بينه وبينها حائل رغمًا عنه، فإنه سيكون له الأجر التام  لقول جابر – رضي الله عنه –:( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال:( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم المرض )  مسلم  3/1518

وهناك من يقطع طريق الهداية على نفسه بنفسه : قال تعالى: ( فلما زاغوآ أزاغ الله قلوبهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )  الصف: ٥ فبفسقه وزيغه حرم من الهداية والاستقامة وهذا من كمال عدل الله وحكمته. فلا تعارض بين إثبات المشيئتين. ولا ظلم على العبد بغلبة مشيئة الله على مشيئته.

وبهذا نفهم لماذا ختم الله قوله تعالى: ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) بقوله: ( إن الله كان عليمًا حكيمًا )  الإنسان:30  لينفي الظلم عن نفسه ويبين لعباده أن مشيئته مبنية على علم وحكمة.

 

أما من نقص حظهم من العلم والفهم فاستعجم على عقولهم الجمع بين المشيئتين، فمال بعضهم لإثبات مشيئة الخالق ونفي مشيئة المخلوق، وجعلوا الخلق مجبورين على كل شيء؛ فالزاني عندهم مجبور والسارق مجبور والكافر مجبور، ولو لم يصرح بعضهم بهذا لكنك تجد رائحته في ثنايا كلامهم حين يقولون:" الله ما كتب لي الهداية " وهو في الحقيقة لم يتسبب لأسبابها، وأوغل في كل ما من شأنه أن يبعده عنها، ثم هو من أسرع ما يكون لاتهام الرب وتبرئة نفسه!!

ومال آخرون إلى إثبات مشيئة المخلوق ونفي مشيئة الخالق.

ولو أنهم اهتدوا بهداية القرآن لعلموا أن الجمع بين المشيئتين ميسور..

ولو تأملنا كيف يقود رب الأسرة أهل بيته ويجبرهم على أمور ويترك لهم الخيار في أمور، فلا هو مجبور على ما اختاروه، ولا هم لهم المشيئة الكاملة في كل شيء.

فإذا أمكن هذا في حق المخلوقين فهو في حق الخالق من باب أولى. فهو يدبر عباده ويخيرهم ويختبرهم في اختيارهم، وبعدها لن يحدث في هذا الكون إلا ما يريده هو ويختاره ويأذن به، وإن كان في بعض الأحيان يكرهه.

فأكثر ما يحصل من عباده مما هو مكروه بالنسبة له كالمعاصي والذنوب هو حاصل بحكمته، فهو يترك عباده واختيارهم في كثير من الأحيان لمصالح يعلمها هو، ولو أنَّه منعهم دائمًا من فعل مايكره لانتفت المصلحة من اختبارهم، ولانتفت المصلحة من إرسال الرسل وإنزال الكتب والتكليف والحلال والحرام وخلق الجنة والنار. فكان عين الحكمة أن يعطيهم هذا الاختيار بعد التكليف والترغيب والترهيب، فإن خالف بعده مخالف فلا يشكل علينا لماذا تركه الله تعالى ولم يمنعه أو يعاجله بالعقوبة مع أنه قد فعل ما يكرهه الله؟! وسيظهر لنا الجواب واضحًا مقنعًا ومنطقيًّا: وهو أن هذه الدنيا ليست هي دار الجزاء حتى يبادر كل مذنب فيها بجزائه، ولأنه هو الحليم العليم، يحلم على عبده ويمهله ويعطيه فرصة تلو أخرى بناءً على علمه وحكمته، فلا عذر لعبد أمام الله عز وجل يوم القيامة.

ولا أوضح في إثبات اختيار العبد من مشروعية صلاة الاستخارة، فأنت إذا احترت بين أمرين وأقدمت على أحدهما لجأت إلى استخارته فيما إذا كان في هذا الأمر خير لك أو لا، ثم يُمضي الله ما يريد.

إنَّك إذا شعرت بمسؤوليتك التامة تجاه ما اخترته وما ستختاره وتركت تعليق أخطائك على شماعة ( لم يكتب الله لي) فإنك ولا بد ستتحمل مسؤولية استقامتك، وستعمل جاهدًا في أن تكون كما يريد الله منك أن تكون، وتستفرغ الوسع مستعينًا بالله على ذلك. فإن لم يحصل لك ما تريد بعد كل هذا فستستسلم لمشيئة الرب التي خالفت مشيئتك وفاقتها فكان ما لا تريد، وستذكر قوله تعالى:( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) وتمضي بوصية النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)

 

فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.

أم عاصم - الخبر

الدروس والدورات العلمية
المـكــتـبـة المــرئـيـة
ســــلم الاعـتـقـــــاد
واحـــــة العقيــــــدة
أسمـاء الله الحسنى
مـن عـقـائـد السـلـف
العقيـــــدة والقـــرآن
العقيــــــدة والســنة
دعــــوة المرســـلين
أهـــــــل العقيـــــدة
مــــلل وفــــــــــــرق
بـحـــوث ودراســــات
ديــــوان العقيـــــــدة
فيــــض العقيـــــــدة
مصطلحـات عقــــدية
أخــــطاء عقــــــديـة
آفــــاق العقيـــــــدة
أخــــوات العقيــــدة
مــلــفـــــات دعــوية
فــلاشــــات دعــوية
 
 
البحث في نطاق الموقع
«القائمة البريدية»
 
«دخول المشرفين»
اسم المرور:
كلمة المرور:
 
 free counters
 
 جميع الحقوق محفوظة لموقع العقيدة والحياة 1432 هـ - 2011 م www.al-aqidah.com